السبت، 10 يونيو 2017

أزمة قطر وتحولات الخليج بين برجنسكي وكيسنجر



بقلم: د.يوسف محمد بناصر
باحث مغربي
********

تعيش المنطقة العربية مخاضا عسيرا من أجل انبثاق وعي جديد يرتبط بممارسة الحكم وتدبيره وفق قواعد حداثية وديمقراطية لم تكن العقلية القبلية قادرة على أن تستوعب روحها ولا أن تساير آلياتها، والربيع الديمقراطي الذي انفجر بلا موعد سابق وامتد من غرب الجغرافية العربية للشرق لا تزال رجاته تظهر بين الفينة والأخرى، وبعض الساسة في ذهول يمنع عنهم إدراك المستجدات والمتغيرات الطارئة لسرعتها وضراوتها، فالبنية الثقافية والسياسية متكلسة وصلبة لا تقبل التفتيت ولا التفكيك، ولا بد لنا أن نعترف بأن مثل هذه الأزمات؛ التي لا تفاجئ إلا من ذهل عن الواقع العربي الراهن، تفعل فعلها بقوة وبفوضوية وتمتلك من الإصرار ما يوقع كل من يتخفى وراء فهومات كلاسيكية في حيرة ومأزق تناقضي بتعبير كلود ليفي ستراوش. 
إن عصر التحديث العربي ليس بالقديم جدا، ولكن رفض توابعه وآلياته قديم بقدم العقلية العربية التي تأسست على روح العصبية والرضوخ لعصر الأمجاد الأبوية. وإن كانت عتبات التحديث مختلفة في العصر الراهن، فكل تلك العتبات العربية تؤدي لجرف ينهي التجربة ولا يفتح بابا للدخول لعصر الأنوار ولا لاستيعاب روح الحداثة ومنطقها التاريخي، وقرارات كما شروط بعض الدول تجاه قطر اليوم مظهر من مظاهر التسلط الأبوي الذي يضرب بجذوره متجاوزا نظرية ميكيافيلي وابن خلدون وصولا للارتماء في أحضان الآداب السلطانية الفارسية كما عبر عنها الجابري في دراسته عن: العقل السياسي العربي.

يجب ألا نغفل عما كان من صراعات تاريخية وسياسية بين الأسر الحاكمة بعضها مع بعض، خصوصا ما ارتبط منها بالدفاع عن مناطق نفوذ تاريخية، وقد خفت جزء من تلك الصراعات بإعلان إنشاء مجلس تعاون خليجي.
لقد بدأت تجربة قناة الجزيرة مثلا في الجغرافية الإعلامية العربية في بث التنوير وتثبيت مبادئ المحاورة والمناظرة وتفكيك الرعب الذي أحاط بالمعلومة والآراء الشخصية، وهي تبث في أغلب برامجها السياسية تبرها المسبوك في نصيحة الملوك كما يرد عند الغزالي، أو آراء المثقفين والمعارضين في بعض المرات بشكل حاد ومزاجي ومرات بشكل لبق وخافت كما يرد في رسالة الصحابة لابن المقفع، هذه التجربة التي ولدت بعد فشل القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية الذي كان تأسيسه بشراكة سعودية، نجحت بإخراج تجربة إعلامية متميزة تستوعب الاختلاف وتنمي تدبير الآراء وحرية التعبير واعتناق الآراء السياسية والمذهبية، وفتحت أعين الناس عن مغاليق السياسة ومجاهيلها، فهاجر أولئك الصحفيون لقطر وبدأوا تجربتهم مع قناة الجزيرة، وتزامنت التجربة الإعلامية الوليدة مع الرؤية السياسية التي تبنتها قطر بُعَيْد تغير طارئ شهده نظام الحكم القطري. 
السياسة في قطر تنحو منحى الانفتاح بشكل واسع على التجارب الديمقراطية وتستدرج كافة الحساسيات السياسية والفكرية والمذهبية المعارضة وغيرها، سواء آمنت بخاطبها وصوابية آرائها أو دون ذلك، لتشكل محورا أساسيا في بناء القرار السياسي والثقافي العربي، على عكس ما عليه بقية الأنظمة في منطقتها، رغم أوجه الشبه التي بينها كالروابط العائلية والقبلية والتاريخية، لكن التصورات السياسية لها أوجه متحولة لا تثبت على حال، وجلب المصالح عند الساسة لا يقوم عادة على فعل سياسي أخلاقي صرف. 

وهنا يجب ألا نغفل عما كان من صراعات تاريخية وسياسية بين الأسر الحاكمة بعضها مع بعض، خصوصا ما ارتبط منها بالدفاع عن مناطق نفوذ تاريخية، وقد خفت جزء من تلك الصراعات بإعلان إنشاء مجلس تعاون خليجي. 

الساسة في دول الخليج يتجهون نحو فتح أفق بقعة الزيت الحارقة والبركان المشتعل في العراق والشام ليسيل بلهيبه جنوبا، وكل شروط انفجار الوضع ممكنة، ومن بينها: اشتعال جبهة اليمن، سعة الحدود بين مناطق الصراع والتي تنشط فيه المنظمات الإرهابية في الشمال.
اليوم بدأت دوائر القرار السياسي تفرز نفسها بنفسها بسبب أوضاع المنطقة كلها، ويبدو أن الربيع الديمقراطي وتحولاته كشف بعضها، ولم تسر سفنه بالاتجاه المرغوب خصوصا في مصر واليمن وسوريا وليبيا وتونس، ونظرية أثر الفراشة تقول بأن التأثير حاصل ولو بعدت المسافات، واليوم كافة الأنظمة تحس بأن تسييج الأزمة وإعادة تصحيح الوضع من أوجب الواجبات التي ستجعل ميزان العقل السياسي التقليدي الذي يحكم المنطقة يستعيد زمام المبادرة بتوجيه دفة التحولات، وإبعاد الأنظمة الحاكمة من منطقة العواصف الطارئة. 

ودولة قطر قد انخرطت تلقائيا على المستوى السياسي والإعلامي والثقافي في دائرة خاصة فحددت موقعا لها يخالف مواقع بقية الدول، رغم أن المصالح المشتركة بينها تفرض التعاون في قضايا الإرهاب وعمليات التدخل في سوريا واليمن ولبنان والعراق وليبيا، إلا أن كل طرف من هؤلاء أغلق مع حليفه إمكانية إيجاد دائرة مشتركة، فتعززت مصالح كل طرف بجذب اهتمام فاعلين خارجيين، فقطر تميل لتلطيف لغتها مع إيران وأمضت اتفاقيات استباقية مع تركيا وضمت إليها كل المعارضين من تيار الإخوان المسلمين الهاربين من دولهم، ودعمت تيارات سياسية وعسكرية إخوانية في مناطق النزاع.

وأما بقية دول مجلس التعاون فقد شكل حلفا خاصا به يضم دائرة تتكون من فاعلين سياسيين تقليديين ينظرون للتحولات على أساس درء مفسدة أولى من جلب مصلحة، وانضم إليهم الحلف الأمريكي الذي يغلب البراغماتية الدائمة، والتحقت بقية الأنظمة التي استفادت من تشوهات ونكوصات أصابت الربيع الديمقراطي كالسودان ومصر وموريتانيا، هذه الدول التي تقبل على نفسها الإملاءات مقابل تحقق مصالح آنية محدودة. والغريب أن كافة هذه القوى لعبت أدوارا دموية على أرض العراق وسوريا وليبيا، بشكل خفي وكان الصراع محتدما ودعم الحركات المتصارعة واضحا، ولما فشلت خطة لي الذراع خارج حدودهم تم نقل الصراع ليكون بشكل مباشر وعلى الحدود. 

إن المنطقة لم تكن لتستحمل بقاء الصراع في شمال الجزيرة العربية في دول كبيرة كالعراق وسوريا طيلة هذه المدة الذي كان صراعا وحربا تم خوضها بالوكالة، اليوم وبإعلان وقوع الأزمة والسرعة التي اتخذت بها قرارات المقاطعة لدولة قطر تم الانتقال من مرحلة الاعتراف بعجز سياسة النوايا الطيبة إلى ممارسة سياسة الفزع والتورط الذاتي المباشر. وهنا اقتبس تعبير من تعبيرات زيغنيو برجنسكي الذي وصف الإدارة الأمريكية بالكارثية في كتابه: الفرصة الثانية، ثلاثة رؤساء وأزمة القوة العظمى الأميركية، فكذلك قادة المنطقة جعلوا أنفسهم في مأزق خطير، ونتائجه كارثية في ظل هذا السياق الدولي. 

من يطالع تقرير الثابت والمتحول 2017، الصادر عن مركز الخليج لسياسة التنمية، يستوعب الكثير الأنشطة الدبلوماسية السابقة والتوقيع على اتفاقيات بين دول الخليج والدول الغربية قبل وقوع هذه الأزمة في مجال الأسلحة واستيراد الغاز.
إذن الساسة في دول الخليج يتجهون نحو فتح أفق بقعة الزيت الحارقة والبركان الهائل المشتعل بالعراق والشام ليسيل بلهيبه جنوبا، وكل شروط انفجار الوضع ممكنة وجد واقعية، ومن بينها: اشتعال جبهة اليمن، سعة الحدود بين مناطق الصراع والتي تنشط فيه المنظمات الإرهابية في الشمال، وجود تركيبة مذهبية حانقة على الأنظمة مثال شيعة السعودية والبحرين والحوثيين باليمن، وجود صراع على الحكم وتداول السلطة داخل الاسر الحاكمة، انتشار الثقافة السياسية القبلية والتحشيد على أساس العشيرة والطائفة كمثال العراق، عدم توزيع عادل للثروات والمقدرات الوطنية، الصراع والتدخل الإيراني المتزايد في المنطقة، ونشوء حركات سياسية متطرفة وسلفية جهادية وخلايا نائمة متعددة الانتماء بين داعش والقاعدة وحزب الله، صعود اليمين المتطرف في الغرب وخصوصا في أمريكا مع ترمب الذي يسعى للتدخل المباشر في المنطقة، والطموحات المباشرة وغير المباشرة للأتراك بالمنطقة، بالإضافة إلى التحولات الجيو-سياسية والاستراتيجية التي تشهدها المنطقة عموما.
إن زيغنيو برجنسكي يتحدث عن فشل ذريع لبوش الأب على إضفاء أي معنى ملموس على شعار النظام العالمي الجديد الذي تمثله و.م.أ، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وينعته بسياسة الخطيئة الأصلية، ولكن مع ترمب الذي يمثل تيارا من المحافظين الجدد فقد تمكن من بلورت تصور جديد لما سيكون عليه عالم العرب ويتجلى ذلك في زيارته الأخيرة وتصريحاته المتضاربة، أما هنري كيسنجر الأب الروحي للمحافظين الجدد فصرح بضرور التدخل في سياسة العالم العربي خصوصا الدول المنتجة للبترول لمنع سياسة الابتزاز التي تقوم بها، تجاه الدول الصناعية، والحل هو تفكيكها منظومتها السياسية.
ومن يطالع تقرير الثابت والمتحول 2017م، الصادر عن مركز الخليج لسياسة التنمية، يستوعب الكثير الأنشطة الدبلوماسية السابقة والتوقيع على اتفاقيات بين دول الخليج والدول الغربية قبل وقوع هذه الأزمة في مجال الأسلحة واستيراد الغاز.

******
مصدر المقالة منشورة:

الزاوية الناصرية والنسب الجعفري الزينبي المغربي وعلاقته بقبائل الجعافرة بجمهورية مصر ..

الزاوية الناصرية والنسب الجعفري الزينبي المغربي   وعلاقته بقبيلة الجعافرة بجمهورية مصر العربية ..