الاثنين، 8 فبراير 2016

البراديغم الداعشي… عندما يتحول الإيمان إلى أعلام للقراصنة ج1.

البراديغم الداعشي… عندما يتحول الإيمان إلى أعلام للقراصنة ج1.

************
بقلم: يوسف محمد بناصر
باحث مغربي


إن المتمعن في قراءة التحولات الكبرى في المجتمع الإسلامي سواء على المستوى السياسي والفكري والأخلاقي…، لما بعد الخلافة الراشدة، يستنتج أن العنصر المهم الأبرز في ظهور الفكر السياسي الإسلامي يعود إلى انفجار العنف، أو ما بات يعرف بزمن الفتنة وما بعدها، هذه الفترة التاريخية القلقة والعصيبة في التاريخ الإسلامي لا تزال تمتد ضاربة بجذورها ورامية بظلالها على أغلب مراحل الحاضر، وقد يكون لها امتداد أوسع على مستقبل الأمة، ومآلاته لا تبشر بخير إلى الآن.
إن العقيدة المتطرفة ما كانت لتنمو لولا غياب الفكر النقدي وحرية التعبير عن الأفكار، ثم يأتي غياب وسائل تدبير الاختلاف والحكم في المرتبة الثانية، وهذه الأسباب الخطيرة، هي ما كان يؤطر مجموع عقائد الفرق المتطرفة على مدى التاريخ الإسلامي، ابتداء بالخوارج وانتهاء بالفكر “الداعشي” اليوم.
إن استعادة الخلافة الراشدة وإسقاط الحكم الظالم،كما سبق أن تصوره الخوارج لا يكون إلا بالسيف، وخاصة بعد قيام وراثة الملك وسقوط الخلافة الشورية ، وهنا يتقاطع وينسجم التصور السلفي الجهادي المبني على خلفية تاريخية مثالية للدين والتدين مع من سبقهم من الخوارج، مما يجعل من الاستحالة بمكان تفكيك بنية تفكيرهم أو تغيير تصوراتهم لما يجب أن يكون عليه الواقع المعاش في اتساقه مع مفهومات الدين وتمثلاته الحياتية، لتعجز مناهج التفكير أمام وثوقية الدوغما المغلقة. ومناورة التأويل في هذا المجال الحساس تبقى “خطا أحمرا” يربك العقل، لما قد يتسبب فيه هذا الأمر من خلخلة لمناهج التفكير الديني في السياق المعرفي الإسلامي الكلاسيكي. إن هذا التوصيف ينطلق من قراءة واعية للانقسامات المتطرفة والعقائد المتناقضة التي احتضنتها هذه الثقافة منذ فترة الانفتاح على الثقافات المجاورة في الصدر الأول من الإسلام. والتناقض الفكري الذي تلبس نصوص بعض المفكرين الرواد في مجال الفقه وعلم الكلام والتصوف، وفي بعض الأحيان ما وقع من تناقضات منهجية وعقائدية لدى بعضهم الآخر له دور أساسي في إظهار طوائف متطرفة في مختلف العصور وفي مختلف التوجهات. وترجع بعض الأسباب الأخرى إلى بساطة بنية العقل العربي الذي تنزل فيها النص المؤسس، وعدم استيعابها الكامل لمختلف المضامين التي تختزلها الرسالة القرآنية، ثم مدى استيعابها تحول المعاني من بنية اجتماعية إلى أخرى. كما أن وقوع حوادث سياسية عظام في خضم التجربة الإسلامية كالفتنة وغياب رؤية سياسية ناضجة للدولة الإسلامية واغتيال أغلب “الخلفاء الراشدين” ثم إغلاق التجربة السياسية الفتية بسيطرة فكرة التوريث والتسلط ثم ملاحقة المعارضين –من فقهاء أو فلاسفة وساسة – للقضاء عليهم من طرف الحاكم المتغلب؛ كل هذا ساهم في بلورة دوائر عقدية مغلقة، تستقطب بجاذبية مقولاتها ومثالية طروحاتها كل المهمشين والتائهين والمارقين وبعض المؤلفة قلوبهم من ذوي المصالح العرقية والمذهبية من مختلف الأقطار. لتُكَون لنا طائفة من المؤمنين المنساقين وراء شعارات طغت عليها المثالية متجاوزة بها البناء النموذجي الذي رسخه الرسول الأكرم في مجتمعه والذي يتسم باتساق منهجه مع الواقع، لتقدم هذه النزعات المتطرفة بدائل تعدها أرقى؛ لتتجاوز بها كل ما سبقها من التجارب. فكانت هذه الطوائف التي كرست أنموذجها المثالي بالعنف مستعدة لتعيش تناقضاتها المركبة متحدية كل القيم في صورتها التاريخية، وهي اليوم ووفق النموذج الذي ندرسه تتحدى الحداثة وقيمها.
إن “النموذج الداعشي” قد قوى فرصته لاستعادة نموذجه التاريخي، والمتمثل في استمداده من لحظات الإشراق الديني والسياسي في الحضارة الإسلامية بكل تفاصيلهما، ابتداء بالتقسيمات الإدارية والتوصيفات الشرعية وتركيبات مفاهيم السياسة الشرعية والآداب السلطانية وانتهاء ببنية الخطاب السلفي المستعاد بشكل انتقائي وفظيع من مرجعيات ومصادر فقهية محددة. بحيث يتم الترويج لخطابها كل مرة في الأشرطة المسجلة، وفي كل ما تبثه قنوات هذه الحركة المتطرفة وغيرها كوسيلة للدعاية لمواقفها ولتوضيح أيدلوجيتها.
إن تعريف البراديغم يتلخص في توفر عناصر متشابهة في موضوعات مختلفة، وبناء عليه فإن عنونتنا للدراسة بـ”البراديغم الداعشي..” يلخص ما تتضمنه من أفكار وتصورات حول كيفية تفكير هذه الفئة والبنية المعرفية التي تتحرك ضمنها وسياقها التاريخي والثقافي، وسنحاول أن نحفر في التأويلات الممكنة وغير الممكنة في بعض النصوص والمرجعيات التي تعد مؤطرا منهجيا لرؤاها، ودافعا معرفيا ونفسيا مؤسسا لها، حتى تظهر بمظهر المُخَلّص على مدى فترات تاريخية متلاحقة وفي مختلف الجغرافيات الإسلامية في العهود الماضية. وهي اليوم بدأت تتحرك مع بوصلة العولمة وتبيء مفهوم الشركة العابرة للقارات في قاموسها وتهاجر به إلى حقل الإرهاب الديني العابر للقارات، فلم تعد الجغرافية تحديا أو جدارا مانعا لمزيد زحف وصعود وتوسع شبيه بـ”حركة امبريا-دينية” تقوم بها هذه التنظيمات داخل أوطان مستقلة خارقة كل ما تدعيه هذه الأوطان من حماية أمنية ومخترقة مجتمعاتها ثقافيا ودينيا/روحيا وسياسيا.
تعتبر الحركات الإجتماعية المتطرفة ظاهرة سوسيولوجية على مر التاريخ، وغالبا ما تلتحف بعض الحركات منها بالمقدس لما له من أهمية بالغة في التجيش وخلق حالة النفير، بلا مقدمات معقدة ولا أجندة منطقية، فكل ما عليها هو الاستعانة بالنصوص المقدسة وانتقاء منطقة التوتر التي تسمح بجعلها أيقونة الحراك والاستقطاب الجماعي وإثباتها كهدف منشود، وبطبيعة الحال تلعب المواعظ دورا حاسما كما الاستدلال بلحظات مظلومية المرجعيات التاريخية أو بالتذكير بنبوؤات تبشر بها بعض الآثار حول تحقق مفاهيم إطلاقية كالعدل الكامل والدين الكامل والمجتمع المثالي والخلافة التي تطبق فيها إرادة ” الله” وحاكميته بلا تحيزات، ولتنزل أحكامه لتحل محل الإرادة البشرية وقوانينها الوضعية..، هذه السلسلة المدروسة من الأفعال المحبوكة والمركبة من الناحية التصورية، تجعل الأتباع يستجيبون للنداء ولا تبقى لهم لحظة للتفكير أو النقد أو حتى الاستيعاب، مادامت الفكرة مشرقة وتستند إلى المقدس وتدور في دائرة نصرته وإعلائه فلا مجال للتأخر. وإذا كان المحضن متوفرا فلا يبقى غير الاستجابة لمن تمت مبايعته على “السمع والطاعة” والثقة به فيما يتخذه من قرارات في المنشط والمكره، فيجد المجند نفسه في علاقة حميمية ودفء سيكولوجي مع إخوته ممن لبى النداء معه، فيقع في لا وعيه أن ما يعيشه من حماسة للفكرة هو حقيقة واقعية متمثلة في واقعه بتمامها، ولا مجال للشك أو الارتياب، وأن المشكك بعد هذا اليقين الجازم إنما يسبح ضد التيار ويعيش في أوهام شيطانية زعزعت يقينه وإيمانه، مما يتطلب إما الدعوة في مرحلة أولى ثم التصفية إن رفض التوبة، ولو كان من أقرب المقربين. واستعادة شكل المحاسبة ومظهر إنزال العقاب يبقى أمرا شكليا مادام التاريخ يتضمن الكثير من الأمثلة الواضحة والتي كان عليها وفاق ولها حجية معتبرة؛[ كالصلب أو القتل والـمُــَثْلَة والحرق..]، ولا حاجة لكثير إبداع. ويكفي أن تزين الأفعال ببعض الأدلة الشرعية، ليظهر الأمر للمُعَاقِب والمعاقَب بأنه تنفيذ لأمر السماء، فيتقبلها المؤمن وغيره بشيء من الرضا كأنه قضاء وقدر. وهذا واضح وجلي في المشاهد المفزعة التي تبثها قنوات ما يسمى بــ” الدولة الإسلامية بالعراق والشام” والتي تستعمل هذا الأسلوب بقوة لغرض تمييز صفها ومشروعها عن بقية الأطراف المتطرفة، وفي بعض الأحيان لتزايد على غيرها بشرعيتها ومشروعية سلطتها، وليتسق موقفها مع بنية الخطاب الذي تستقيه بعناية من نصوص تاريخية، وتنتقيه بدهاء عقدي وسياسي خبيث. وقد دفع هذا الفعل بتنظيم “الجبهة الشامية” وهو طرف منافس لـ”داعش” إلى إصدار شريط دعائي ضد هذه الأخيرة، سمته:” مسلمون لا مجرمون” في يوم07 دجنبر 2015م، هذا الشريط يهدم تصور الإخوة الأعداء عن مفهوم الجهاد والقتال ومعاملة الأسرى، كما يستبطن منهجية استثنائية تزعزع براديغم الحركات المتطرفة التي تشتغل في دائرة ضيقة مفاهميا وروحيا، بحيث لا يسمح سقف تنظيرها جميعا، ببناء تصور مغاير عن الفعل العنفي بمختلف مسمياته، خصوصا أنه يعد ممارسة طقوسية فريدة وبدائية عند أغلبهم، والذي من بين تمظهراته اعتبار الكائن البشري قربانا للإله. وأظن أن عرض الشريط بتلك الدقة والخلفية الإعلامية الدعائية المحترفة لا يخرج الجبهة من دائرة الفكر المتطرف، وستعتبره الأطراف الأخرى حيلة مدروسة دعائيا وإعلاميا، الغرض منه هو إعادة التموقع في خط يظهر “الجبهة الشامية” بأنها أكثر حكمة ورزانة وأقل تعطشا للدماء أو لاصطياد الضحايا أو الابتزاز بهم، وأن مشروعها السياسي والعقدي له سمات مميزة تخالف بقية أطراف المعارضة التي لها نفس التوجه.
* كاتب من المغرب.
منبر الحرية، 31 يناير/كانون الثاني 2016
***
رابط البحث:

http://minbaralhurriyya.org/index.php/archives/9427

الزاوية الناصرية والنسب الجعفري الزينبي المغربي وعلاقته بقبائل الجعافرة بجمهورية مصر ..

الزاوية الناصرية والنسب الجعفري الزينبي المغربي   وعلاقته بقبيلة الجعافرة بجمهورية مصر العربية ..