الثلاثاء، 25 يوليو 2017

النص والخطاب واللغة المقدسة بين الإسلام والمسيحية وعلاقتهما بالتجربة الإنسانية

النص والخطاب واللغة المقدسة
 بين الإسلام  والمسيحية وعلاقتهما بالتجربة الإنسانية

 يوسف محمد بناصر

باحث في النقد الثقافي وقضايا التجديد في الفكر الاسلامي- المغرب


*********

يتكشف المعنى في الخطاب الاسلامي من خلال مدافعته بالوقائع التي تقع خارج النص، وانتظام ذلك الكشف  يتطلب عقلا منفتحا يمتلك الجرأة والمنهج، عقلا مركزا على معطيات مختلفة، فيتتبع ويجمع كل المعاني الأصلية والتبعية؛ التي يغفل عنها الدارسون باعتبارها هامشية في علاقتها بالمعنى الكلي.
إن الخطاب القرآني تتزاحم فيه المعاني بين ثنايا آياته وسوره، وعندما يقع احتكاكه بالعقل تتكشف تلك المعاني شيئا فشيئا، لذلك فأغلب عمليات حصر المعنى لا تحصل بالقدر الذي يحصل به الارتواء الايماني، ربما لأن القلب الانساني  يهفو نحو الصفاء بدون كثير مقدمات عكس العقل.
إن آليات العقل ومناهجه لا تبقى صامدة أمام كثافة ما يحويه النص من مواضيع لاختلافها وتنوعها، إلا اذا كانت عملية التعقل  أو الفهم قد حددت مسبقا هدفا وموضوعا يتم في  ضوء النص وتوجيهه المقصدي للوصول اليه، فيستنطق النص ليستنبط الحكم أو على الأقل توضح رؤية النص الخاصة لموضوع البحث أو النازلة. ونجاح عملية الاجتهاد عموما تعني الوصول لفهم معين عن طريق النظر العقلي والمنهج النظري بطرق أصولية لغوية ومعرفية مركبة..، ثم إن عملية الاجتهاد والنظر في النص الإسلامي تتطلبان جرد النصوص وحصرها؛ ليحاصر المعنى ويحاصر معه الحكم المبحوث عنه والمحتمل تصديقه للنازلة، لتأتي بعد ذلك عملية الصياغة بعد الترجيح ليقوم الحكم مستقلا بذاته وقد يكون قاعدة أو قانونا مرجعيا ينظم عمليات أخرى متعلقة بنوازل مشابهة وربما يتجاوزها لغيرها.

تداخلات في مفهوم النص  وجب الإشارة إليها:

تبنى بعض العلماء هذا المصطلح "النص الشرعي"، ومنهم القاضي أبو بكر الباقلاني والجويني، كذلك القاضي أبو بكر في أصل وضع اللغة، وقيل النص معناه الظهور[1]، وبعض العلماء  -كما الشافعي- فقد أطلقوا النص على خطاب القرآن الكريم أو السنة النبوية بالتحديد؛ إلا أن ثمة اتجاها آخر بدأ بالظهور عند الإمام  الغزالي حيث أطلق النص على ما لا يتطرق إليه احتمال أصلا، وقد يطلق عنده على معان أخرى[2].

ورجحت الباحثة رقية طه جابر العلواني؛ أن تكون أول المراحل التي مر بها مصطلح النص قد ابتدأ مع الامام الشافعي رحمه الله، وحسب قولها فإنه استعمل مصطلح النص وأطلقه على نصوص القرآن الكريم والسنة، وجعله في مقابل الاستنباط حيث يقول:"ما أبانه الله لخلقه نصا، مثل جملة فرائض في أن عليهم صلاة وزكاة وحج وصوم، وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونص الزنا والخمر وأكل الميتة والدم والخنزير وبين لهم كيف فرض الوضوء مع غير ذلك مما بين نصا"[3]. 

مفهوم النص والكلمة بين المسلمين والنصارى:
ينص الكتاب المقدس في المسيحية على مايلي:"كلمة الله انسانا كي يصير الانسان إلها"[4]، في البدء كان الكلمة والكلمة كانت من عند الله وكان الكلمة الله "[5]، والكلمة صارت جسدا وحل  بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الأب مملوء أنعمه وحقا"[6]، " وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا إليه فقال هو ذا حمل الله الذي يوقع خطية العالم"[7]، أما  الاسلام فكانت كلمة الله قرآنا يوحى، وهو آية محمد عليه الصلاة و السلام الوحيدة والفريدة، تحدى بها العرب ومعهم الانس والجن:"قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا"[8]،"وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين"[9].
لقد وقع نزاع قديم وعميق حول فهم الخطاب، خطاب الله للمكلفين، فكان التحدي الذي يطرح نفسه هو: هل يمتلك أي أحد – وخاصة في هذا الزمان-القدرة على فهم مراد الله الفعلي ومقصد النص..؟ ووقوع الخلاف كان حول الخطاب باعتباره  إنما يتأسس من فهم "الكلمة"  أو "الآية" فالله سبحانه وتعالى بعث إلى النصارى المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، واعتبره آية من آياته، ليخرجهم به من ظلمات  الضلال والمادية المتوحشة التي مردوا عليها، والتي أسسها السامري بديلا لشريعة موسى، وأيضا جاء المسيح عليه السلام ليخفف عنهم الاغلال والإصر ويحل بعض ماحرم عليهم كما سيكون الأمر مع الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام، فالذين اتبعوا المسيح عليه السلام جعلوا كل منطوق الله يتجسد في جسد انسان، وهو جسد يسوع المسيح، فجعلوه مطلقا بإطلاقية الاله، فبحسب فهمهم فقد تجلى في الجسد واحتضن كل آياته وأقواله وصفاته…فكان جسد المسيح جسد الإله، فكانت الكلمة عند الله وكانت الكلمة الله، بالتعبير الانجيلي، فلخص الاتباع كل معاني الرسالة المسيحية فيما تحمله الجسد الذي قدس لأن الإله حل به، فتم انزال الله قصرا من عليائه ليحضن في الناسوت البشري، فأصبح المعنى موحدا واللغة منطوقا واحدا والكلمة مجسدة في جسد انسان مؤله.
فاتصل الالهي بالبشري  في شخصية يسوع وألغي النص الانجيلي؛ أو على الأقل همش لأنه عرضي، لا يمثل حقيقة المقدس وجوهره كما نزل، ولا ينقل المعنى كما ينقله  الجسد المؤله الذي يمثله المسيح، وطبعا لا معنى للعرضي الذي هو  مظنون النص المكتوب أو المجموع أمام وجود الأصل الجوهري بينهم؛ الذي هو المسيح بعينه، ظاهرا غير متخفي، قادرا على التفسير والتأويل، متحدثا غير صامت عكس النص...الذي هو احتمالي وظني، ومن هذا المنطلق المعاكس للمنطلق الإسلامي، كان الفصل بين التجربة الإسلامية والتجربة المسيحية، فاختلف الفهم والتطبيق والتجربة الايمانية، ففي التجربة النبوية الأولى، كانت الكلمة آية وسورة ونصا قرآنيا لها مركزيتها، والنبي الإنسان والرسول كان مجرد مبلغ للنص "كان يبلغ كلام الله" واسطة غير ايجابية ولا سلبية غير موثرة في/على بينة النص، إنه ينقل "آيات الله"، ولكل الناس أن  يسمعوها ويعقلوها ويدخلوا في تجربة  معها؛ أي مع الكلام الالهي فيتدبروا الخطاب الملقى إليهم ويحسنوا فهمه، لأنه موجه إليهم بصفتهم ذوات مؤمنة أو حتى كافرة، ومعنيين – بشكل أو آخر- بقضية الايمان أو تفسير الوجود.
إن الذات النبوية هي ذات انسانية قد دخلت –أيضا- في تجربة مع النص ولها تلقياتها "كان خلقه القرآن"، والذات النبوية الشريفة ليست بدعا من الناس في مسألة التأثير والتأثر بالخطاب الإلهي، فمثلا كان خلقه القرآن كما يمكن أن يكون خلق أي أحد، أي أن علاقته بالقرآن وبالكلام الإلهي وصل إلى درجة في تفاعله معه، درجة  الشهادة؛"إنك على خلق عظيم"[10]، لأنه عليه السلام يتحرى خلق القرآن ويحسن تلقي الكلام الالهي لينزله، إنه يتدبر ويتلقى كما يحسن البلاغ والبيان للناس، وهذه خصوصيته كذات، إنه ذات متفاعلة مع ما ألقي إليه من ربه المتعالي، وذاته البشرية لا تجسد الإلهي ولا يتنزل الإلهي فيها، لأن الجسد الناسوتي لايحتمل أن يكون نقيض ما عليه، إنما يصلح فقط لأن يتفاعل مع الذات المتعالية بأن يستمد منها طاقتها وجمالها وصفاءها ومعانيها.
إن الذوات البشرية يمكن أن يكون خلقها القرآن، إن أحسنت التلقي؛ لأن الأصل في الخطاب القرآني أنه مستقل عن  الذوات الانسانية لذلك له إمتداده في الزمان، وله القدرة على أن ينور القدرات ويوجه الطاقات مهما كانت مشتتة أو ضعيفة،"وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم"[11]،"واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا"[12]، فكما أن الذات الانسانية مركزية، كذلك النص مركزي مستقل له مقصدية مطلقة وممتدة، وهو غير متحيز لذات على أخرى حتى ولو كانت نبوية مبلغة، عكس ما في الثقافة النصية والدينية المسيحية التي اختلط فيها الجسد الإنساني بالذات الالهية ثم بالنص المقدس، فتتطورت تلك المعادلة لتسقط الرسالة المسيحية وتجعل النص المقدس في هامشية، ليبدأ بحث الانسان المسيحي/ الغربي عن موت الإله ليتحلل من كل ارتباط ديني ويفك علاقته المزعجة بالمتعالي المحضون بين طيات الإنساني، بل ليكتفي في الأخير بمركزية الإنسان المطلقة ويثبتها على رماد جسد الإله، ليبدأ البحث بعد ذلك عن تفسيرات لظواهر الغيب والطبيعة والإنسان في فضاءات أخرى، وقد تشكلت أغلب المعارف الغربية دون توجيهات من "الميتافيزيقي الأخرق" الذي يبتلع المعرفة الحقة والمنطقية، بحسب زعم بعضهم المتطرف، إنه يؤسس غالبا  للخرافة والكهنوت الاستغلالي، وهذا الموقف الحدي المتبنى له خلفية تاريخية ومعرفية وسوسيولوجية، ترجع إلى المعاناة التي شهدها المومنون كما الفلاسفة والتنويريون في القرون الوسطى.
اللغة وبعض حدود الفهم وآلياته:
يقول المستشرق جولد تسهير: كذلك يصدق على القرآن ما قاله في الإنجيل العالم اللاهوتي التابع للكنسية الحديثة "بيير فير نفلس":" كل امرء يطلب عقائده في هذا الكتاب المقدس"[13]، وكل امرئ يجد عموما احتمالات  ومداخل للتأويل والفهم، وقد تتقاطع هذه الأخيرة – النصوص- مع الخلفيات الإدراكية لكل عقل يحاول التعامل مع الخطاب بفهمه أو حتى باسقاطه على خلفياته المعرفية والثقافية والأيديولوجية، فالنص  يعطي الشرعية  لكل تلك الخلفيات ويعطيها القوة ويمدها بروح وثوقية، لتقف بلغتها محاججة وداحضة لمنطق الخصوم ومواقفهم، كما أن "القرآن لا ينطق إنما ينطق به الرجال" وهي مقولة منسوبة للإمام علي؛ وجدت في التاريخ الاسلامي لتكاد تزكي بشكل أو آخر بأن منطوق "النص" إنما هو في الأخير مقالات وفهوم البشر، وإن كانت فيها جوانب من الصوابية أو الحقيقة فهذا لايعني أن هناك مساحة متغيرة بين ما يبتغي للعقل تأسيسه وبين ما يبرهن عليه أو بين ما  ينطق به النص، الذي يكون في الأخير "حمالا ذو أوجه" له مقصديته الذاتية هو الآخر ورؤيته التي تتعالى عن الخلفيات  والنزعات النسبية التي يتورط فيها العقل والنفس البشريين .
يمكن القول أن هنالك فرقا بين الخطاب وبين الطريقة الموظفة لفهمه، حسب ما يذهب إليه الكاتب والباحث يحيى محمد، فالطريقة لا تنقل الخطاب كما هو، بل  تتصور بحسب قواعد ومسلمات قبلية وتشكل محور النشاط في الفهم وإنتاج المعرفة، والفارق بين الخطاب وبين طريقة فهمه هو كالفارق بين الطبيعة وعلمها، فمثلها أن هذا العلم يتصور الطبيعة ضمن اعتبارات وقواعد تؤدي الى عدم المحاكاة والمطابقة بينها كذلك الحال في علاقة الطريقة المعرفية بالخطاب، حيث إن ما تحمله من اعتبارات قبلية من الممكن أن تجعل آلية الفهم التي تؤسسها لا تطابق حقيقة ما عليه الخطاب؛ لهذا فان اختلاف الطرق والقنوات المعرفية غالبا ما تفضي إلى تباين طبيعة الصورة المرسومة للخطاب والفهم المنتزع[14].
 ويمكن اعتبار انفتاح العقل على لغة "النص الشرعي" وكل ما ينتج عن ذلك من تفاعلات ومقالات واستنباطات معرفية أو فقهية أو لغوية، إنما هي من بعض الحقائق التي تكشفت بين ثنايا النص وتقبلها العقل بقبول حسن، فحاجتنا للحقيقة هي حاجة إنسانية وجودية، وقد التزم هذا الكائن المكرم منذ الأزل بالبحث عنها والتنقيب عن مصادرها وامتلاك الوسائل التي تودي إليها، ذلك الالتزام والحاجة تجعلنا كل يوم مطوقين بأسئلة تبحث معاني كل شيء، كما تورطنا في فضولية الاكتشاف والاختراع والمحاكاة.
وكل الحقائق كما هي قضية بحث ووجود فهي قضية نظام لغوي ومعرفي  مركب، فنستعير من فوكو قولته التي يعتبر فيها:"أن الحقيقة ليست خاصية خطاب أو نتيجة قضية واستدلالات بل إنها نظام وجود"[15]، فالنظام أساسي يساهم في ترتيب استنتاجاتنا وتركيب تحليلاتنا وأيضا فرز افتراضاتنا، فتشكل بذلك الوعي الإنساني، الذي هو في الأخير حافز سنني في الترتيب والبناء والخروج بخلاصات ثم الاكتشافات أو الاختراعات، وفي النهاية التأسيس للثقافة والمعرفة والفعل الحضاري المتجدد، فالتأريخ  الانساني لا يقوم  دون قيام العمران وتأسيس أخلاقيات جديدة، بحيث تنبثق منهما سيرورة حضارية تتراكم، لتستمر في بناء ثقافات جديدة، وامداد الانسان بما يساهم في تنمية وعيه وفعله الإبداعي والحضاري.

********************************************************************************

[1] - ينظر : البرهان في أصول الفقه، الجيويني، تحقيق عبد العظيم محمود الديب، مطبعة الوفاء مصر، الطبعة4،سنة1418 هـ.

[2] - ينظر: المستصفى، الغزالي أبو حامد، الجزء2، الصفحة196 .

[3] - ينظر: أثر العرف في فهم النصوص ، قضايا المرأة أنموذجا رقية طه جابر العلواني، طبعة الفكر، 2003م،الصفحة 33، وينظر كذلك في "مسألة النص" كتاب: الرسالة ، الشافعي، تحقيق احمد شاكر، بدون تاريخ، دار الفكر الصفحة 32.

-          انجيل يوحنا، الاصحاح1/01[4]

[5] - الاصحاح الاول/14.

[6] - الاصحاح الأول /29.

[7] - الاصحاح الاول /29.

[8] -سورة الاسراء الاية:88

[9] -سورة البقرة الاية :24.

[10] -سورة القلم الآية:04.

[11] -سورة ال عمران الاية :144.

[12] -سورة ال عمران الآية :103.

[13] -ينظر: مذاهب التفسير الاسلامي، جولد تسهير، ترجمة:محمد يوسف وآخرون،دار الكتب الحديثة بمصر، الطبعة 2ص:03.

[14] -ينظر: مدخل إلى فهم الإسلام الفكر الاسلامي-نظمه ادواته أصوله، يحيى محمد-الانتشار العربي، الطبعة1، 1999.

[15] -الانفصال، عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال،2007م، ص43.


********
رابط المقالة الى الموقع الاصلي:


السبت، 10 يونيو 2017

أزمة قطر وتحولات الخليج بين برجنسكي وكيسنجر



بقلم: د.يوسف محمد بناصر
باحث مغربي
********

تعيش المنطقة العربية مخاضا عسيرا من أجل انبثاق وعي جديد يرتبط بممارسة الحكم وتدبيره وفق قواعد حداثية وديمقراطية لم تكن العقلية القبلية قادرة على أن تستوعب روحها ولا أن تساير آلياتها، والربيع الديمقراطي الذي انفجر بلا موعد سابق وامتد من غرب الجغرافية العربية للشرق لا تزال رجاته تظهر بين الفينة والأخرى، وبعض الساسة في ذهول يمنع عنهم إدراك المستجدات والمتغيرات الطارئة لسرعتها وضراوتها، فالبنية الثقافية والسياسية متكلسة وصلبة لا تقبل التفتيت ولا التفكيك، ولا بد لنا أن نعترف بأن مثل هذه الأزمات؛ التي لا تفاجئ إلا من ذهل عن الواقع العربي الراهن، تفعل فعلها بقوة وبفوضوية وتمتلك من الإصرار ما يوقع كل من يتخفى وراء فهومات كلاسيكية في حيرة ومأزق تناقضي بتعبير كلود ليفي ستراوش. 
إن عصر التحديث العربي ليس بالقديم جدا، ولكن رفض توابعه وآلياته قديم بقدم العقلية العربية التي تأسست على روح العصبية والرضوخ لعصر الأمجاد الأبوية. وإن كانت عتبات التحديث مختلفة في العصر الراهن، فكل تلك العتبات العربية تؤدي لجرف ينهي التجربة ولا يفتح بابا للدخول لعصر الأنوار ولا لاستيعاب روح الحداثة ومنطقها التاريخي، وقرارات كما شروط بعض الدول تجاه قطر اليوم مظهر من مظاهر التسلط الأبوي الذي يضرب بجذوره متجاوزا نظرية ميكيافيلي وابن خلدون وصولا للارتماء في أحضان الآداب السلطانية الفارسية كما عبر عنها الجابري في دراسته عن: العقل السياسي العربي.

يجب ألا نغفل عما كان من صراعات تاريخية وسياسية بين الأسر الحاكمة بعضها مع بعض، خصوصا ما ارتبط منها بالدفاع عن مناطق نفوذ تاريخية، وقد خفت جزء من تلك الصراعات بإعلان إنشاء مجلس تعاون خليجي.
لقد بدأت تجربة قناة الجزيرة مثلا في الجغرافية الإعلامية العربية في بث التنوير وتثبيت مبادئ المحاورة والمناظرة وتفكيك الرعب الذي أحاط بالمعلومة والآراء الشخصية، وهي تبث في أغلب برامجها السياسية تبرها المسبوك في نصيحة الملوك كما يرد عند الغزالي، أو آراء المثقفين والمعارضين في بعض المرات بشكل حاد ومزاجي ومرات بشكل لبق وخافت كما يرد في رسالة الصحابة لابن المقفع، هذه التجربة التي ولدت بعد فشل القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية الذي كان تأسيسه بشراكة سعودية، نجحت بإخراج تجربة إعلامية متميزة تستوعب الاختلاف وتنمي تدبير الآراء وحرية التعبير واعتناق الآراء السياسية والمذهبية، وفتحت أعين الناس عن مغاليق السياسة ومجاهيلها، فهاجر أولئك الصحفيون لقطر وبدأوا تجربتهم مع قناة الجزيرة، وتزامنت التجربة الإعلامية الوليدة مع الرؤية السياسية التي تبنتها قطر بُعَيْد تغير طارئ شهده نظام الحكم القطري. 
السياسة في قطر تنحو منحى الانفتاح بشكل واسع على التجارب الديمقراطية وتستدرج كافة الحساسيات السياسية والفكرية والمذهبية المعارضة وغيرها، سواء آمنت بخاطبها وصوابية آرائها أو دون ذلك، لتشكل محورا أساسيا في بناء القرار السياسي والثقافي العربي، على عكس ما عليه بقية الأنظمة في منطقتها، رغم أوجه الشبه التي بينها كالروابط العائلية والقبلية والتاريخية، لكن التصورات السياسية لها أوجه متحولة لا تثبت على حال، وجلب المصالح عند الساسة لا يقوم عادة على فعل سياسي أخلاقي صرف. 

وهنا يجب ألا نغفل عما كان من صراعات تاريخية وسياسية بين الأسر الحاكمة بعضها مع بعض، خصوصا ما ارتبط منها بالدفاع عن مناطق نفوذ تاريخية، وقد خفت جزء من تلك الصراعات بإعلان إنشاء مجلس تعاون خليجي. 

الساسة في دول الخليج يتجهون نحو فتح أفق بقعة الزيت الحارقة والبركان المشتعل في العراق والشام ليسيل بلهيبه جنوبا، وكل شروط انفجار الوضع ممكنة، ومن بينها: اشتعال جبهة اليمن، سعة الحدود بين مناطق الصراع والتي تنشط فيه المنظمات الإرهابية في الشمال.
اليوم بدأت دوائر القرار السياسي تفرز نفسها بنفسها بسبب أوضاع المنطقة كلها، ويبدو أن الربيع الديمقراطي وتحولاته كشف بعضها، ولم تسر سفنه بالاتجاه المرغوب خصوصا في مصر واليمن وسوريا وليبيا وتونس، ونظرية أثر الفراشة تقول بأن التأثير حاصل ولو بعدت المسافات، واليوم كافة الأنظمة تحس بأن تسييج الأزمة وإعادة تصحيح الوضع من أوجب الواجبات التي ستجعل ميزان العقل السياسي التقليدي الذي يحكم المنطقة يستعيد زمام المبادرة بتوجيه دفة التحولات، وإبعاد الأنظمة الحاكمة من منطقة العواصف الطارئة. 

ودولة قطر قد انخرطت تلقائيا على المستوى السياسي والإعلامي والثقافي في دائرة خاصة فحددت موقعا لها يخالف مواقع بقية الدول، رغم أن المصالح المشتركة بينها تفرض التعاون في قضايا الإرهاب وعمليات التدخل في سوريا واليمن ولبنان والعراق وليبيا، إلا أن كل طرف من هؤلاء أغلق مع حليفه إمكانية إيجاد دائرة مشتركة، فتعززت مصالح كل طرف بجذب اهتمام فاعلين خارجيين، فقطر تميل لتلطيف لغتها مع إيران وأمضت اتفاقيات استباقية مع تركيا وضمت إليها كل المعارضين من تيار الإخوان المسلمين الهاربين من دولهم، ودعمت تيارات سياسية وعسكرية إخوانية في مناطق النزاع.

وأما بقية دول مجلس التعاون فقد شكل حلفا خاصا به يضم دائرة تتكون من فاعلين سياسيين تقليديين ينظرون للتحولات على أساس درء مفسدة أولى من جلب مصلحة، وانضم إليهم الحلف الأمريكي الذي يغلب البراغماتية الدائمة، والتحقت بقية الأنظمة التي استفادت من تشوهات ونكوصات أصابت الربيع الديمقراطي كالسودان ومصر وموريتانيا، هذه الدول التي تقبل على نفسها الإملاءات مقابل تحقق مصالح آنية محدودة. والغريب أن كافة هذه القوى لعبت أدوارا دموية على أرض العراق وسوريا وليبيا، بشكل خفي وكان الصراع محتدما ودعم الحركات المتصارعة واضحا، ولما فشلت خطة لي الذراع خارج حدودهم تم نقل الصراع ليكون بشكل مباشر وعلى الحدود. 

إن المنطقة لم تكن لتستحمل بقاء الصراع في شمال الجزيرة العربية في دول كبيرة كالعراق وسوريا طيلة هذه المدة الذي كان صراعا وحربا تم خوضها بالوكالة، اليوم وبإعلان وقوع الأزمة والسرعة التي اتخذت بها قرارات المقاطعة لدولة قطر تم الانتقال من مرحلة الاعتراف بعجز سياسة النوايا الطيبة إلى ممارسة سياسة الفزع والتورط الذاتي المباشر. وهنا اقتبس تعبير من تعبيرات زيغنيو برجنسكي الذي وصف الإدارة الأمريكية بالكارثية في كتابه: الفرصة الثانية، ثلاثة رؤساء وأزمة القوة العظمى الأميركية، فكذلك قادة المنطقة جعلوا أنفسهم في مأزق خطير، ونتائجه كارثية في ظل هذا السياق الدولي. 

من يطالع تقرير الثابت والمتحول 2017، الصادر عن مركز الخليج لسياسة التنمية، يستوعب الكثير الأنشطة الدبلوماسية السابقة والتوقيع على اتفاقيات بين دول الخليج والدول الغربية قبل وقوع هذه الأزمة في مجال الأسلحة واستيراد الغاز.
إذن الساسة في دول الخليج يتجهون نحو فتح أفق بقعة الزيت الحارقة والبركان الهائل المشتعل بالعراق والشام ليسيل بلهيبه جنوبا، وكل شروط انفجار الوضع ممكنة وجد واقعية، ومن بينها: اشتعال جبهة اليمن، سعة الحدود بين مناطق الصراع والتي تنشط فيه المنظمات الإرهابية في الشمال، وجود تركيبة مذهبية حانقة على الأنظمة مثال شيعة السعودية والبحرين والحوثيين باليمن، وجود صراع على الحكم وتداول السلطة داخل الاسر الحاكمة، انتشار الثقافة السياسية القبلية والتحشيد على أساس العشيرة والطائفة كمثال العراق، عدم توزيع عادل للثروات والمقدرات الوطنية، الصراع والتدخل الإيراني المتزايد في المنطقة، ونشوء حركات سياسية متطرفة وسلفية جهادية وخلايا نائمة متعددة الانتماء بين داعش والقاعدة وحزب الله، صعود اليمين المتطرف في الغرب وخصوصا في أمريكا مع ترمب الذي يسعى للتدخل المباشر في المنطقة، والطموحات المباشرة وغير المباشرة للأتراك بالمنطقة، بالإضافة إلى التحولات الجيو-سياسية والاستراتيجية التي تشهدها المنطقة عموما.
إن زيغنيو برجنسكي يتحدث عن فشل ذريع لبوش الأب على إضفاء أي معنى ملموس على شعار النظام العالمي الجديد الذي تمثله و.م.أ، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وينعته بسياسة الخطيئة الأصلية، ولكن مع ترمب الذي يمثل تيارا من المحافظين الجدد فقد تمكن من بلورت تصور جديد لما سيكون عليه عالم العرب ويتجلى ذلك في زيارته الأخيرة وتصريحاته المتضاربة، أما هنري كيسنجر الأب الروحي للمحافظين الجدد فصرح بضرور التدخل في سياسة العالم العربي خصوصا الدول المنتجة للبترول لمنع سياسة الابتزاز التي تقوم بها، تجاه الدول الصناعية، والحل هو تفكيكها منظومتها السياسية.
ومن يطالع تقرير الثابت والمتحول 2017م، الصادر عن مركز الخليج لسياسة التنمية، يستوعب الكثير الأنشطة الدبلوماسية السابقة والتوقيع على اتفاقيات بين دول الخليج والدول الغربية قبل وقوع هذه الأزمة في مجال الأسلحة واستيراد الغاز.

******
مصدر المقالة منشورة:

الاثنين، 29 مايو 2017

المغرب الكبير والموجة الثالثة للحراك الديمقراطي


بقلم: يوسف محمد بناصر
باحث مغربي

****
الحراك الشعبي العفوي يحتاج في النهاية إلى فرش ثقافي ومعرفي مركب، فلا يجب أن ينساق ببراءة ثورية إلى أهداف مثالية بعيدة كل البعد عن التطلعات الحقيقية للشعوب. والأنظمة السياسية تحتاج لكي تحقق الاستقرار إلى توسعة الحقل الدلالي الحقوقي بعيدا عن الآداب السلطانية وما تراكم في مباحثها تاريخيا من فلسفة سياسية مؤطرة بالغلبة والقبول بالمستبد العادل وحكم الرعايا بالسيف، هذه المراجعة الملحة ستمكن المواطنين في الوطن العربي/ وليس الرعايا من الإحساس بانتمائهم إلى هذا العصر، بعيدا عن التيه في طرق أخرى وفلسفات أغلبها اصطنعت لتكريس نفسية الاستعباد والتبعية.

وهي كلها طرق وفلسفات تثبت فشلها وانسداد أفقها مع كل لحظة ثورية تنبعث فيها الإرادة الانسانية لتشكل وعيها مجددا، فتشرق معها الحاجة للحرية والكرامة والعدالة. هذه الخلاصة حفزتنا مرة أخرى للعودة للكتابة عن نفس الموضوع من زاوية أخرى، بعدما تنامت الموجة الجديدة من الحراك أو بحسب قول هنتنغتون في كتابه: الموجة الثالثة، التحول الديمقراطي في أواخر القرن 20.
إن الحراك الاجتماعي يبقى نابضا، لأنه لا يزال هنالك الكثير من العمل يجب القيام به، وما بقي من زمن الذلقراطيات العربية بعد الحراك الديمقراطي في أمس الحاجة أن تبقى هذه الظاهرة السليمة في يفعانها وعنفوانها، والربيع الديمقراطي يظن أنه انتقل إلى فصل من فصوله السيئة في كثير من البلدان، ونسي معظم الباحثين أن التطهر من الخوف والقلق من عنف السلطة والفزع من أفكار الديمقراطية والاختلاف، وفوبيا وقوع التداول على الحكم وتقسيم الثروة، كل هذه الأمور تبقى صعبة تحتاج إلى صبر وموجات أخرى من انتفاضات متلاحقة تنسي كل موجة الناس في سابقتها. إنه الحل السحري الذي اكتشفه الضعفاء والفئات المهمشة والكثير من الشعوب التي أحاط بها الطغيان وانسدت الآفاق أمامها، ولم يبق لها غير ذاك أو الاستعداد لتحطيم كل شيء وتدمير الذات مقابل جرعة من الكرامة بدل المهانة والذل.
السلطة الكلاسيكية عليها أن تخاف مما قد يطرأ في أي زمان أو مكان في جغرافية تحكمها، ولم تعد هذه التركيبة المهترئة وغير المنسجمة من الدول التقليدية وفلسفة الحكم قادرة على حصار أو استيعاب الحراك بحكم عجزها المطبق.

في لقاء جمع بين ماريوسواريز وزير خارجية الحكومة المؤقتة وزعيم الحزب الاشتراكي البرتغالي إثر الثورة البرتغالية أواسط سبعينيات القرن الماضي ووزير خارجية و.م.أ هنري كيسنجر في واشطن، قام كيسنجر بتوبيخ سواريز وغيره من العناصر المعتدلة لعدم اتخاذ موقف حاسم لاستئصال شأفة الدكتاتورية الماركسية اللينينية، فقال كيسنجر لسواريز: "أنا أدرك مدى إخلاصك، لكنك ساذج مثل كيرينسكي"؛ رئيس الحكومة الانتقالية بعد الثورة البلشفية 1917م، وأطاح به زميله لينين، فرد عليه سواريز قائلا: "بالطبع أنا لا أود أن أكون مخلصا وساذجا مثل كيرينسكي". فقال له كيسنجر: "ولا كيرينسكي كان يود ذلك أيضا".
نورد هذه القصة لتوضيح كون السلطة السياسية العربية التي تقتنع بأن الحراك انتهى؛ تجمع بين السذاجة السياسية والاستراتيجية ومعهما عماء الإخلاص لسلطتها التاريخية ولأمجادها المزيفة، مما يوقعها كل مرة في الارتباك وسوء تدبير اللحظة، والتخلف عن الموعد مع التاريخ الذي تخطه الشعوب بعيدا عن قادتها. مما يجعل هؤلاء القادة يعتقدون أن الفعل المدني والحراك الاجتماعي عدو يجب التخلص منه في أقرب فرصة تتيحها شروط التاريخ، بتعبير الباحث المغربي عبد الرحيم العطري. 
والسياسي المحنك يتحين تلك الفرص التي قد يأتي بها القدر في كثير من الأحوال لكي يقتنصها، ولكن في حالة العقل السياسي العربي لا شيء يداوي عُنْجُهِيَّتَه، لأن أخطاءه تؤدي إلى تصعيد موجة التعارض بتمييز دائرته عن دائرة الحراك فيكشفه موقفه الرجعي، مما يوقعه في الحرج والمواجهة والصدام مع الشعب ثم الاجتثاث. ولا أحد منهم يكلف نفسه ليفهم أو يفسر أو يتساءل مع توماس فريدمان: لماذا يثور الناس؟
إن لوينز فون شتاين الباحث الألماني قد أشار بأن وزر الحراك يقع على الحركة العمالية وقد آن لهذا الرأي أن يتغير أو يخفف منه، ليتحمل الشباب بكل انتماءاتهم أو بدونها وزر تأجج الحركات الاجتماعية وخوض المعركة التاريخية، لتنتفي جرعة الصراع سواء بالمنطق الهيغلي أو الماركسي، مقابل نشوء آليات ومظاهر جديدة تبلور الحراك وتؤسس لواقع جديد يحتاج لمزيد دراسة وفهم. ولتبقى كذلك، آراء آلان تورين صامدة في إظهار السمات التي تحكم أي ظاهرة احتجاجية والتي لخصها في مبدأ الهوية وهي دائرة الحراك ومبدأ التعارض دائرة الخصوم ومبدأ الكلية بوتقة تعكس وعيا جمعيا.
ويمكن هنا أن ندعم نظرية تورين بموقف غوستاف لوبون الأرستقراطي الذي يظهر الفقراء وهم يخرجون للشوارع لإظهار تطلعاتهم الشخصية وبعض رغباتهم الوحشية والشيطانية؛ لأن هذا الفيلسوف ينظر إليها بكونها تعكس العقل الباطني وعواطف الجمهور، مع تحفظنا على ترجيحاته وتفسيراته التفصيلية التي تحتاج إلى ومراجعة.
إن السلطة الكلاسيكية عليها أن تخاف مما قد يطرأ في أي زمان أو مكان في جغرافية تحكمها، ولم تعد هذه التركيبة المهترئة وغير المنسجمة من الدول التقليدية وفلسفة الحكم قادرة على حصار أو استيعاب الحراك بحكم عجزها المطبق أمام الحداثة والتقنية ونفحات الحرية ونزعة التحرر والخلاص الفردي والجماعي. إنها تشعر بالعجز والشيخوخة ويشعر القائمون عليها بالعته عندما يفشلون في فهم الظاهرة التي تمتد بتدوينة حرة على موقع اجتماعي أو بسبب رد فعل على تصرف أحمق من شرطي ضد مواطن أو بسبب سوء معاملة موظف رسمي أثناء دوامه أوفي بعض الأحيان دون أي سبب.

موجة الاحتجاجات الجديدة اليوم في مختلف الدول العربية، تأتي في سياق سوء الفهم من تقدير الموقف من الربيع الديمقراطي، وعجز دوائر القرار من امتلاك رؤية استراتيجية للتعامل مع هذه الحالة الرخوة جدا والمستجدة على بلدان المنطقة.

إن مسارات الحراك الزيتية وغير المتوقعة وأمام الأمثلة الكثيرة والممتدة بين اليمن وليبيا وسوريا والعراق وغيرها، تجعل القدرة على دراسة الاحتمالات وتفسير أنماط الفهم وخطاب وسلوك هؤلاء الناس غير واضحة وإن كانت لها نتائج فهي غير موضوعية ولا تبني موقفا استشرافيا.
موجة الاحتجاجات الجديدة اليوم في مختلف الدول العربية، تأتي في سياق سوء الفهم من تقدير الموقف من الربيع الديمقراطي، وعجز دوائر القرار من امتلاك رؤية استراتيجية للتعامل مع هذه الحالة الرخوة جدا والمستجدة على بلدان المنطقة. ويزيد الأمر تعقيدا فشل هؤلاء في تدبير الاختلاف السياسي وضبابية في أنماط الحكم، وتشوهات في التدبير الاقتصادي وتغييب الكفاءات السياسية والوطنية، وتقزيم لدور الهيئات السياسية وترويض بعضها وإفقادها المصداقية، مقابل توظيف للتقنوقراطيين الانتهازيين الذين لا يمتلكون الجرأة ولا الرؤية السياسية ولا ثقة الجمهور.
كما أن لتقهقر دور الدولة وأجهزتها القمعية دورا أساسيا، وكان المعول الذي هدم آخر صنم لها، نكوص ما أسسته من مقولات حول الهيبة والشرعية التاريخية والاجتماعية والدينية وما استمدته من مرجعيات تقليدانية وتاريخية كانت تستند عليها.
كل هذا في مقابل تنامي مجتمع مدني وهيئات حقوقية وإعلام بديل واجتماعي قوي واحترافي. وليس للحكام اليوم غير الانصياع لجرأة هؤلاء الشباب والتطلع معهم لمستقبل مشترك في ظل تحديث لرؤيتهم السياسية ولمؤسساتهم الحاكمة وبناء عقد اجتماعي وسياسي حديث، وإلا فإن عواصف الصحراء الخريفية أو عنفوان الربيع المخضر ينمو غير بعيد عن خيامهم، التي لن تستقر على حالها ولن تتقوى بوتدها، بعد الشعور بطعم الحرية والانفتاح على أجواء الديمقراطية والتطلع لمجتمع المعرفة والرخاء الاقتصادي، ولن تنفع مع الموجة الجديدة من الحراك لا المزيد من الريع والمنح ولا الإصلاحات التلفيقية ولا الخطابات الدينية التي تلعن الفتن النائمة.

نشر على منصة الجزيرة:

الثلاثاء، 16 مايو 2017

صناعة الزعيم في فكر الحركات الإسلامية



****


إن الزعامة في الحركات الإسلامية هي نتاج نضال وتضحية في كثير من تنظيماتها، وهذا شيء إيجابي لا ينكره أحد، وصناعة الزعيم يعد من أهم الأدبيات التي ورثت مع تنظيم الإخوان المسلمون الذين أسسوا لكثير من الممارسات والتصورات من خلال تجربتهم التاريخية الممتدة.
 
ويبدو أن الحركات الإسلامية المعاصرة عاجزة عن الخروج من جلباب القادة الكلاسكيين الذين قعدوا للممارسات السياسية والأخلاقية والتنظيمية، هذا الإرث التاريخي والعاطفي والأخلاقي الذي قد يكون ابتدأ مع حركة الإصلاح الديني والنهضة العربية، ووجد له تنظيما مستوعبا مع الأستاذ حسن البنا ليستوعب التصورات ويفعل المفاهيم المبتوتة في الكتب والرسائل والممارسة في الجلسات، والتي تكفلت كذلك المقررات التنظيمية والخطب الوعظية على تمريرها للمنتظمين منهم.

يقف اليوم هذا الإرث حاجزا عن رؤية المستقبل، ويرمي بثقله على الحاضر، ويوقع هذه التنظيمات في مأزق الجذب العاطفي والروحي الذي يغرق المنخرطين في هذا العمل في كثير من الأوهام السياسية والاجتماعية والدينية، وقد تفطن البعض من القادة والمفكرين داخل هذه التنظيمات لهذه الفجوة في التفكير، فقاموا بمراجعات قيمة ونقد ذاتي صارم، في المغرب ومصر والكويت والسودان وتونس ولبنان. وقد اقتنع البعض منهم بأن التنظيمات الحركية قد ضاقت بأهلها كما ضاق صدر بعض زعمائها بانتقادات أولئك، ليكون الجزاء هو الفصل والطرد، لينخرط هؤلاء في مشاريع أخرى علمية ومراكز دراسات أو حتى في أحزاب سياسية تقدر على استيعاب تجاربهم وسعة أفقهم، ولا تمارس الوصاية الفكرية والروحية عليهم.
 

كما أن هذه الهيئات كان أساسها المدني غير المتسم بسمة دينية شكل مركز جاذبية للكثير من الذين قاموا بتلك المراجعات، لكونها لا تتدعي نهاية أنماط التدين عندها ولا واحديتها التي لا تقبل بالتعدد والحرية، ولا تقبل إطلاقية فلسفاتها في التغيير الاجتماعي والسياسي ولا حتمية مشروعها النظري.إن هذه السمات البارزة وما تختزنه من قيم إنما كانت من نعم الحداثة والفكر التنويري النقدي الذي أبدعه الإنسان.
 

الصراع على قيادة أي حركة من الحركات الاجتماعية يرجع إلى مسألة القوانين الداخلية للتنظيم وطبيعة التنظيم ذاته، وكذا نفسيات القادة والمنتظمين من الأعضاء وعلاقاتهم الروحية والاجتماعية.

إن الذي حفزني لكتابة هذه المقالة يرجع أساسا إلى ما اطلعت عليه من كلمات مقالة الأستاذ عمر عبيدة حسنة حول مراجعاته الشخصية والعميقة لفكر تنظيم الإخوان المسلمون، والمعنون بـ: من إصابات العمل الإسلامي، والتي اختصرها في: العجز عن انتاج قيادات فكرية، انقلاب الوسائل إلى غايات، سيادة العقلية الذرائعية، فكر المواجهة، عدم تمثل المعاني المفقودة في الأمة، عدم تقدير قيمة التخصص، العجز عن استنبات قيادات متجددة.
 

وأجدني قبل أيام أعيش تجربة كتابة مقالة عن صناعة الزعيم ومطالعا لكثير من المقالات التي تبحث في سيكولوجية الجماهير والسلطة والزعماء، وأنا أنظر إلى تجربة الحركات الإسلامية المغربية، بعد أن تم تعيين الدكتور سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة المغربية وإعفاء الأستاذ عبد الإله بنكيران، وقبلها ما أصاب جماعة العدل والاحسان من انكماش بعد وفاة الزعيم الروحي والتاريخي الأستاذ عبد السلام ياسين، وما يقع لحركة من أجل الأمة وكذا البديل الحضاري وغيرها من الحركات السلفية من اضطراب بسبب إما الوفاة أو التعرض للاعتقال والمتابعة القضائية أو الحصار السياسي أو السقوط في حبال المؤامرة والابتزاز السياسي أو القبول بالتقرب إلى دوائر القرار السياسي والحزبي للاستفادة من الغنائم مقابل تقديم تنازلات معينة.
 

والملاحظ أن الصراع على قيادة أي حركة من الحركات الاجتماعية يرجع إلى مسألة القوانين الداخلية للتنظيم وطبيعة التنظيم ذاته، وكذا نفسيات القادة والمنتظمين من الأعضاء وعلاقاتهم الروحية والاجتماعية، ولا ننسى كاريزما من يكون في الواجهة، وقد يكون تدخل بعض دوائر القرار في ترتيب أوراق بعض التنظيمات والأحزاب مؤثرا وواردا في كثير من التنظيمات إما لنيل البركة والرضا والتزكية أو لتسهيل العمل وشرعنته.
 

وقد حدث في المغرب مؤخرا أن تقاذف بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية البارزين فيما بينهم الكثير من الكلام الذي يشعر بكون تنظيمهم السياسي يعيش حالة ارتباك بسبب الرجة التي أحدثها إعفاء الأمين العام الأستاذ بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة 2017م، ليتم تكليف عضو آخر في الحزب لتلك المهمة، فبعض الأعضاء اتهموا غيرهم من إخوانهم بالخيانة والخنوع ودافع الآخرون بكون التجربة تقتضي الانحناء للعواصف وتفادي حالة الاصطدام مع القصر وبعض دوائر صنع القرار السياسي المغربي المتهمة بإرادة التحكم وبالاصطفاف في جبهة الدولة العميقة.
 

هذا الحدث أفرز لنا وضعا جديدا لم يكن مخططا له، ولم يكن ليدركه الكثير من المناضلين في صفوف الحركات الإسلامية وهو إشكالية تفكيك رمزية الزعيم السياسي من طرف النظام السياسي التاريخي والقوي وإعادة تركيبها بشكل مستفز، ليهدم الصورة التي كونها الزعيم عن نفسه أو التي رسمها عنه مريدوه وليتم التعريض به بأنه شخصية غير محتملة، وبه نزق وطيش ويصعب التنبأ بردود أفعاله، وبكونه غير مرن ولا لبق ولا يرقى ليكون رجل دولة يحفظ لسانه ويكتم الأسرار ويرسم حدود علاقاته ومآلات سلوكاته، ويرسم حدودا لنفسه ويتحكم في ردود أفعاله السياسية والخطابية.
 
ونؤكد مرة أخرى على مثال التجربة المغربية، فقد تم اختيار بديل شخصيته تخالف صورة الزعيم بنكيران، ولا يعكس أي تفصيل منها، وفي كل الأحوال له مميزات قد تكون تقنع دوائر صنع القرار ولكنها لا ترقى لترضي المناضلين المتعطشين لشخصية زعيم منفلت لا يُتوقع سقف خطابه ولا يتحكم في ردود أفعاله، شخصية زعيم يخلق الفرجة مع كل ظهور له لتعلو نسب تتبع أخباره ومقابلاته وتزيد شعبيته على شعبية النظام نفسه ليكسب مساحة واسعة من النفوذ والهيبة، ويوثق علاقته السياسية بحميمية مع نفوس الجماهير. فينافس بل يزايد بشكل أو آخر على أقرانه من الساسة وغيرهم.

الحركات الإسلامية حركة بشرية واجتهاد نسبي في حاجة دائمة للمراجعة، والمجتمع لا يجب أن ينظر إليها بكونها أنموذجا مثاليا لإقامة نمط الدين النهائي بل هي تجربة تاريخية مباركة.
لا يتوقف الأمر على ما تحمله شخصية هذا الزعيم من قدرات إدارية أو كفاءة سياسية بقدر ما يكنه له المريدون من طاعة وثقة ورابطة عاطفية تجعله أنموذجا صعب الاستنساخ، وغيابه في لحظة عن المشهد الحزبي والسياسي يشكل صدمة، بحيث يتصور مع غيبته أن المؤسسة الحزبية ستنهار أو أن بقية القادة من حزبه والمنافسين له على كرسي الزعامة لن يقدروا على القيام بمهام المفاوضة وتدبير الشأن السياسي اليومي والتحكم في قرار الحزب، ولا حتى النجاة بالمؤسسة الحزبية من التحديات والمؤامرات التي تحاك ضدها.
فالكل يتلخص في الزعيم والزعيم هو الكل، فهذا الدفيء العلائقي يتوغل على مستوى الوجدان وفي المواقف السياسية والأخلاقية، ليرفض أي مقترح للزعامة ولا تقبل أي محاولة لإعادة تشكيل الوعي الجمعي للصورة الرمزية للزعيم الأوحد، ومن يدعي بديلا له أو مقترحا آخر عنه فهو متآمر وخائن وأفكاره هدامة. فيتوقف تجديد النخب وتحديث مواقع القرار وقادته ويعاد انتاج خطاب المظلومية والتبرير والوعظ، فتنمو المؤامرات بينهم وتوغل صدور بعضهم على البعض، وتكرر العثرات وتكثر القناعات المبنية على الأوهام بدل الحقائق والأفكار وتخفت النزعة النقدية والإبداعية بين الأعضاء وتظهر الآفات الأخلاقية والتنظيمية والأيديولوجية والصراع على المصالح الفردية وتحصيل الغنائم الآنية، مما ينبئ بالتصدع والترهل والانهيار.
إن الحركات الإسلامية حركة بشرية واجتهاد نسبي في حاجة دائمة للمراجعة والتقويم لكون النفوس الإنسانية فاعلة فيها والظروف التاريخية والاجتماعية، والمجتمع لا يجب أن ينظر إليها بكونها أنموذجا مثاليا لإقامة نمط الدين النهائي في الحياة والمجتمع بل هي تجربة تاريخية مباركة.

****
رابط المقال:

الخميس، 27 أبريل 2017

التطرف الديني يرسم صوراً كاريكاتورية عن الله والنبي


بقلم : يوسف محمد بناصر
باحث مغربي

****

فلسفة الإقصاء تقوم عند المتطرفين على أن المختلف أو المخالف كيفما كانت توجهاته ولو كان من أقرب الناس لك، لا مكان له في دائرة الوجود، لأن وجوده يسبب التشويش والتشكيك وسيكون صوتاً مسموعاً للكثيرين ومزعجاً لغيره.
إن فلسفة الاغتيال عند المتطرفين تقوم على أسس أيديولوجية ونفسية لا يمكن التنبأ بها، لأنها تبقى متوارية إلى أن تظهر مفاجئة المقربين والمتتبعين، إنها تتأسس على استراتيجية التخويف وإفشاء الرعب على أوسع نطاق، وجعل المجتمع المطمئن لسلامة أفراده يعيدون التفكير في تفاصيل العلاقات التي تجمعهم بالكثير من أقربائهم وجيرانهم وبقية المواطنين، لأن وباء التطرف فيروس عندما يصيب أحدهم ينمو في صمت بين الأقفاص الصدرية ويتناسل بين الأفكار السوداوية لأي كائن إنساني، والذين يعانون من ثقل الدوغما المغلقة على ذاتها والمغلفة بكثير من المزايدات مستعدون للقيام بأي شيء من أجل نصرة منطقهم ورسالتهم.

إن انتشار فلسفة الوثوقية عند المتطرفين والتزامهم بالحد الأقصى من التماهي مع مفهوم الواجب، سواء كان دينياً محضاً أو أيديولوجياً صرفاً، يجعل خروجهم كل لحظة بسلوكيات شاذة وبمواقف متطرفة، قضية مبدئية ومسألة فيها الكثير من الاقتناع بكونهم يسطِّرون تاريخاً مثالياً.
إنهم يؤمنون بكونهم يقودون الإنسانية نحو مسار يمحو كل بؤس وتيه وانحراف يمكن أن تشهده الأمم المعاصرة لسبب من الأسباب، وهم أمر السماء ويد القدر لتغيير كل هذه الانحرافات الطارئة على المجتمعات وتحقيق بشارة تطهير الأرض من الدنس ثم تحقيق الخلاص الفردي بالصعود إلى الجنة.
إن اغتيال المخالفين والمعارضين وأهل الملل الأخرى مما لهم العهد والأمن مهما كانت دوافعه، يبقى مأساة في قافلة المآسي التي تهب على هذه الأمة من مختلف البقاع، إن هذا الفعل الشنيع يسيء إلى الذات الإلهية أكثر مما يظن هؤلاء كون المخالفين والمعارضين يسيئون لمعتقداتهم المغلقة ولأيدولوجيتهم.
  •  
إن المتطرف يستهين بالنفوس البشرية ويعتبر أن والقتل لتلك النفوس هو الجهاد باعتباره أعلى مرتبة من مراتب التعبد، لأنه يدخل ضمن باب الجهاد بالنفس.
فهُم يغتالون الإنسانية والعقل ويُسخرون كل أدواتهم ومجهوداتهم لقهر إرادة الإنسان المؤمن وغيره من المخالفين حتى لا يكون حراً مستقلاً ومبدعاً ومختلفاً، يوجهون رصاصاتهم وأحزمتهم الناسفة لكل الضمائر الحية والقلوب المتوهجة بالإيمان المصدق بالله القدير وأسمائه العليا الذي جعلنا اختلافنا في العقيدة واللون واللغة آية من آياته.
إن هؤلاء المتطرفين يوقعوننا في حيرة وذهول دائم بين أن نتقبل هذه الوقائع الدامية على أنها حوادث يوم عادي في سنة كبيسة؛ لنستسلم لخزعبلاتهم الفكرية وترهاتهم الأيديولوجية وبين ادعائهم بكون هذا العالم كله مختزل في مساوئه، ويجب تسريع نهايته حيث ستتحقق السعادة والعدالة والمجتمع المثالي، ويجب أن نصدق ذلك بدورنا وألا نقف منتظرين تحققه وفقط، بل نلتزم بخطتهم من أجل النهاية السعيدة!



إن المتطرف يستهين بالنفوس البشرية ويعتبر أن الذبح والقتل بالأحزمة الناسفة والدهس بالشاحنات لتلك النفوس إنما هو تحقيق لشعيرة من شعائر معتقده، وهو الجهاد باعتباره أعلى مرتبة من مراتب التعبد، لأنه يدخل ضمن باب الجهاد بالنفس. وللأسف من ينظر في خريطة جرائم التنظيمات المتطرفة على شساعة خرائط تمكنها من الجغرافية العربية، لن يجد تفسيراً لكل هذا الاستخفاف بالدماء والأعراض غير كون بعض الثقافة الدينية التي يرتوي منها هؤلاء المتعطشون للدماء لا تقف عن حدود فسادها بل تعدته فأمست تلك الثقافة مميتة وقاتلة لمن يعتقدها. 
لقد أصبح هذا الشكل من التدين قاتلاً ومفزعاً، وتجفيف هذه المنابع ليس بالأمر الهين؛ لأنه يحتاج لتنظيف مضاد مبني على نقد ذاتي وهو ما لا يستطيع الكثير من الوعاظ والعلماء والمثقفين تقبله، لأن فيه مساً بطهرانية مشربهم ونرجسيتهم المعرفية، فلا يقبل الطعن في خلفيتهم الفكرية أو الدينية. 
لقد وصل الأمر ببعضهم إلى جعل كل النِّتاج الفقهي والفكري البشري المتصل بالنصوص المقدسة بمستوى المقدس نفسه، وهنا ولدت أيديولوجيا الدين المتطرف وتمكنت وبدأت تخوض الحروب باسم الإله الذي رسموه في حالة غضب دائمة، يرفع أعلاماً لحرب لا تضع أوزارها أبداً، وصادرت هذه الفئة كل التفسيرات والتأويلات لصالحها، سواء الدنيوية أو الأخروية. 
إنهم نموذج مستعاد لذي الخويصرة حرقوص بن زهير التميمي ت 37هـ الذي قال للرسول الأكرم اعدل يا محمد! ليرد عليه الرسول عليه الصلاة والسلام بالقول: ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. هذا النموذج المتنطع قادر على هتك كل المحارم وانتهاك كل المحرمات، وادعاء أنه الأقدر على ايصال الناس للجنة بأمان أو ردهم عن النار بالترهيب.

هؤلاء لا يحفظون أو يؤولون بشكل سيء قول الرسول يوم حجة الوداع: فإنَّ دماءَكم، وأموالكم عليكم حرامٌ، كحُرمة يومِكم هذا، في بلدِكم هذا، في شهرِكم هذا، هل بلَّغتُ؟ وقد يشهدون بعد ذلك بأن نبيهم لم يبلغ شيئاً! هؤلاء يمسحون عن كتبهم قوله عليه الصلاة والسلام: لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق، ويغلقون أعينهم عن قوله تعالى: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (سورة المائدة).  إنهم مستاؤون جداً من كل هذه النصوص وغيرها، لذلك فهم من يرسم رسومات كاريكاتورية ساخرة عن الإله والنبي والدين بأفعالهم الإجرامية، وبتفسيراتهم المختلة، واغتيالاتهم وحوادث الدهس وتفجيراتهم دليل على انهيار أطروحاتهم، وارتباك منطقهم وخسة مقصدهم.

///
المصدر:

الزاوية الناصرية والنسب الجعفري الزينبي المغربي وعلاقته بقبائل الجعافرة بجمهورية مصر ..

الزاوية الناصرية والنسب الجعفري الزينبي المغربي   وعلاقته بقبيلة الجعافرة بجمهورية مصر العربية ..