الجمعة، 18 ديسمبر 2009

الدعاء الناصري

الدعاء الناصري


َيـا مَـنْ إِلـَى رَحْمـتِِـهِ الْمفَرُّ وَمَـنْ إِلَـيْـهِ يَـلْجَـأُ المُضْطَرُّ







وَيَـا قَـرِيـبَ الْعَـفْوِ يَا مَوْلاَهُ وَيَـا مُغِـيـثَ كُـلِّ مَـنْ دَعَاهُ





بِـكَ اسْـتَغَثْنَا يَا مُغِيثَ الضُّعَفـَا فَحَسْـبُـنَا يَـا رَبِّ أَنْتَ وَكَفَى





فَـلاَ أَجَـلَّ مِـنْ عَظِيـمِ قُدْرَتِك وَلاَ أَعَـزَّ مِنْ عَـزِيزِ سَطْوَتِك





لِعِـزِّ مُـلْكِـكَ الْمُلُوكُ تَـخْضَعُ تَـخْـفِضُ قَدْرَ مَنْ تَشَا وَتَرْفَعُ





وَالْأَمْـرُ كُـلُّـهُ إِلَــيْـكَ رَدُّهُ وَبـِيَدَيْـكَ حَـلُّـهُ وَعَـقْـدُهُ





وَقَــدْ رَفَـعْـنَا أَمْـرَنَـا إِلَيْكَ وَقَـدْ شَكَوْنَا ضُعْـفَـنَا عَلَيْكَ



فَـارْحَمْنَا يَا مَـنْ لاَّ يَزَالُ عَالِماً بِضُعْـفِـنَا وَلاَ يَـزَالُ رَاحِـماً



أُنْـظُـرْ إِلَى مَا مَسَّنَا مِنَ الْوَرَى فَحَـالُنَـا مِنْ بَيْنِهِمْ كَمَا تَرَى



قَـدْ قَــلَّ جَمْـعُنَا وَقَـلَّ وَفْرُنَا وَانْحَـطَّ مَـا بَيْنَ الْجُمُوعِ قَدْرُنَا



وَاسْـتَضْعَـفُونَا شَـوْكَةً وَشِدَّة وَاسْـتَنْقَصُونـَا عُـدَّةً وَعِـدَّة



فَنَحْـنُ يَا مَـنْ مُلْكُـهُ لاَ يُسْلَبُ لُذْنَـا بِجَاهِـكَ الّـَـذِي لاَ يُغْلَبُ



إِلَيْـكَ يَا غَوْثَ الْفَقِيــرِ نَسْتَنِدْ عَلَيْكَ يَا كَهْـفَ الضَّعِيـفِ نَعْتَمِدْ



أَنْتَ الَّذِي نَدْعُو لِكَشْفِ الْغَمَرَاتْ أَنْتَ الَّذِي نَرْجُو لِدَفْـعِ الْحَسَرَاتْ



أَنـْتَ الْعِنَـايَةُ الَّتِي لاَ نَـرْتَجِي حِمَايَـةً مِـنْ غَيـْرِ بَابِهَا تَجِي



أَنـْتَ الَّذِي نَسْعَى بِبَابِ فَضْلـِه أَكْـرَمُ مَـنْ أَغْنَـى بِفَيْضِ نَيْلِهِ



أَنْـتَ الّـَذِي تَهْـدِي إِذَا ضَلَلْنَا أَنْـتَ الّـَذِي تَعْفـُو إِذَا زَلَلـْنَا



وَسِعْـتَ كَـلَّ مَا خَلَقْـتَ عِلْماً وَرَأْفَـةً وَرَحْـمَــةً وَحِلْمــاً



وَلَيـْسَ مِنَّا فِـي الْوُجُودِ أَحْقَرُ وَلاَ لِمَا عِنْــدَكَ مِنَّــا أَفْقَـرُ



يَا وَاسِعَ الْإِحَسَانِ يَا مَنْ خَيْرُهُ عَمَّ الــْوَرَى وَلاَ يُنَـادَى غَيْرُهُ



يَا مُنْقِـذَ الْغَرْقَـى وَ يَا حَنَـانُ يَا مُنْجِـيَ الْهَلْكَـى وَ يَا مَنَّـانُ



ضَاقَ النِّطَاقُ يَا سَمِيعُ يَا مُجِيبْ عَـزَّ الدَّوَاءُ يَـا سَرِيعُ يَا قَرِيبْ



وَقَـدْ مَدَدْنَـا رَبَّنَـا الأَكُــفَّ وَمِنْـكَ رَبَّنَــا رَجَـوْنَا اللُّطْفَ



فَالْطُـفْ بِنَـا فِيمَا بِـهِ قَضَيْتَ وَرَضِّنَـا بِمَــا بِـهِ رَضِيـتَ



وَأَبْـدِلْ اللَّهُـمَّ حَــالَ الْعُسْـرِ بِالْيُسْـرِ وَامْدُدْنَا بِرِيـحِ النَّصْرِ



وَاجْعَـلْ لَّنَا عَلَـى الْبُغَاةِ الْغَلَبَة وَاقْصُرْ أَذَى الشَّرِّ عَلَى مَنْ طَلَبَه



وَاقْهَـرْ عِـدَانَا يَا عَزِيزُ قَهْرَا يَفْصِـمُ حَبْلَهُمْ وِيُصْمِـي الظَّهْرَا



وَاعْكِسْ مُرَادَهُمْ وَخَيِّبْ سَعْيَهُمْ وَاهْزِمْ جُيُوشَـهُمْ وَأَفْسِـدْ رَأْيَهُمْ



وَعَجِّـلْ اللَّهُـمَّ فِيهِـمْ نِقْمَتَكْ فَإِنَّهُـمْ لاَ يُعْجِــزُونَ قُـدْرَتَـكْ



يَا رَبِّ يَا رَبِّ بِحَبْـلِ عِصْمَتِكْ قَـدْ اعْتَصَمْنَـا وَبِعِــزِّ نُصْرَتِكْ



فَكُــنْ لَنَـا وَلاَ تَكُـنْ عَلَيْنَا وَلاَ تَكِـلْنَـا طَـرْفَــةً إِلـَيْنَـا



فَمَـا أَطَقْنَـا قُـــوَّةً لِلدَّفْعِ وَلاَ اسْتَـطَعْنَا حِيلَـــةً لِلنَّفْـعِ



وَمَا قَصَـدْنَا غَيْرَ بَابِكَ الْكَرِيمْ وَمَا رَجَـوْنَا غَيْرَ فَضْلِكَ الْعَمِيـمْ



فَمَا رَجَتْ مِـنْ خَيْرِكَ الظُّنُونُ بِنَفْـسِ مَا تَقُولُ كُـنْ يَكُــونُ



يَا رَبِّ يَا رَبِّ بِـكَ التَّوَصُّـلُ لِمَـا لَدَيْــكَ وَبِـــكَ التَّوَسُّلُ



يَا رَبِّ أَنْـتَ رُكْنُنَـا الرَّفِيـعُ يَا رَبِّ أَنْــتَ حِصْنُنَـا الْمَنِيـعُ



يَا رَبِّ يَا رَبِّ أَنِلْنَــا الْأَمْنـَا إِذَا ارْتَحَلْنَـــا وَإِذَا أَقَمْــــنَا



يَا رَبِّ وَاحْفَظْ زَرْعَنَا وَضَرْعَنَا وَاحْفَــظْ تِجَارَنَا وَوَفِّــرْ جَمْعَنَا



وَاجْعَـلْ بِلاَدَنَا بِــلاَدَ الدِّيـنِ وَرَاحَـةَ الْمُحْتَــاجِ وَالْمِسْكِينِ



وَاجْعَـلْ لَهَـا بَيْنَ الْبِلاَدِ صَوْلَة وَحُـرْمَةً وَمَنْعَـــةً وَدَوْلَــة



وَاجْعَلْ مِنَ السِّرِّ الْمَصُونِ عِزَّهَا وَاجْعَلْ مِنَ السِّتْرِ الْجَمِيلِ حِرْزَهَا



وَاجْعَـلْ بِصَـاد وَبِقَافِ وَبِنُونْ أَلْفَ حِجَابِ مِــنْ وَرَائِهَا يَكُونْ



بِجَاهِ نــُورِ وَجْهِــكَ الْكَرِيمِ وَجَــاهِ سِــرِّ مُلْكِــكَ الْعَظِيمِ



وَجَـــاهِ لاَ إِلــــَهَ إِلاَّ اللهُ وَجَـاهِ خَيـْـرِ الْخَلــْقِ يَا رَبَّاهُ



وَجَـاهِ مَا بِهِ دَعَــاكَ الْأَنْبِيَاء وَجَـاهِ مَا بِهِ دَعَـــاكَ الْأَوْلِيَاء



وَجَـاهِ قـَدْرِ الْقُطْـبِ وَالْأَوْتَادِ وَجَـاهِ حَـالِ الْجَــرْسِ وَالْأَفْرَادِ



وَجَـاهِ الْأَخْيَـارِ وَجَـاهِ النُّجَبَا وَجَـاهِ الْأَبْــدَالِ وَجَــاهِ النُّقَبَا



وَجَــاهِ كُــلِّ عَابِــدِ وَذَاكِرْ وَجَـاهِ كُـــلِّ حَامِــدِ وَشَاكِرْ



وَجَـاهِ كُـلِّ مَـنْ رَفَعـْتَ قَدْرَهُ مِمَّـنْ سَتَـرْتَ أَوْ نَشَـرْتَ ذِكْرَهُ



وَجَـاهِ آيَـاتِ الْكِتَـابِ الْمُحْكَمِ وَجَـاهِ الاِسْمِ الْأَعْظَــمِ الْمُعَظَّـمِ



يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَقـَفْنَـــا فُقَرَا بَيْـنَ يَدَيْـكَ ضُعَفَــاءَ حُقَــرَا



وَقَـدْ دَعَوْنَـاكَ دُعَـاءَ مَنْ دَعَا رَبًّا كَرِيمًـا لاَ يَـرُدُّ مَــنْ سَعَى



فَاقْبَـلْ دُعَاءَنَا بِمَحْـضِ الْفَضْلِ قَبُولَ مَنْ أَلْغَى حِسَـابَ الْعــَدْلِ



وَامْنُـنْ عَلَيْنَـا مِنّـَـةَ الْكَرِيمِ وَاعْطِـفْ عَلَيْنَـا عَطْفَـةَ الْحَلِيمِ



وَانْشُـرْ عَلَيْنَا يَا رَحِيمُ رَحْمَتَكْ وَابْسُـطْ عَلَيْنَـا يَا كَرِيـمُ نِعْمَتَكْ



وَخِرْلَنَـا فِـي سَائــِرِ الْأَقْوَالِ وَاخْتَـرْ لَنَا فِـي سَائِـرِ الْأَفْعَالِ



يَا رَبِّ وَاجْعَـلْ دَأْبَنَـا التَّمَسُّكَا بِالسُّنَّـةِ الْغَـــرَّاءِ وَالتَّنَسُّكـَا



وَاحْصُـرْ لَنَا أَغْرَضَنَا الْمُخْتَلِفَةْ فِيـكَ وِعَرِّفْنَـا تَمَـامَ الْمَعْرِفَـةْ



وَاجْمَـعْ لَنَا مَا بَيْنَ عِلْمِ وَعَمَلْ وَاصْرِفْ إِلَى دَارِ الْبَقَـا مِنَّا الْأَمَلْ



وَانْهَـجْ بِنَا يَا رَبِّ نَهْجَ السُّعَدَا وَاخْتِمْ لَنَـا يَا رَبِّ خَتـْمَ الشُّهَدَا



وَاجْعَلْ بَنِينَا فُضَــلاَءَ صُلَحَا وَعُلَمَــاءَ عَامِلِيـــنَ نُصَحَا



وَأَصْلِــحِ اللَّهُمَّ حَـالَ الْأَهْلِ وَيَسِّـرِ اللَّهُمَّ جَمْــعَ الشَّمْــلِ



يَا رَبِّ وَافْتَــحْ فَتْحَكَ الْمُبِينَ لِمَـنْ تَوَلَّـى وَأَعَــــزَّ الدِّينَ



وَانْصُرْهُ يَا ذَا الطَّوْلِ وَانْصُرْ حِزْبَهُ وَامْلَأ بِمَـا يُرْضِيـكَ عَنْـهُ قَلْبَهُ



يَا رَبِّ وَانْصُـرْ دِينَنَا الْمُحَمَّدِي وَاجْعَـلْ خِتَــامَ عِزِّهِ كَمـا بُدِي



وَاحْفِظْهُ يَا رَبِّ بِحِـفْـظِ الْعُلَمَا وَارْفَعْ مَنَـارَ نـُورِهِ إِلَـى السَّمَا



وَاعْفُ وَعَافِ وَاكْفِ وَاغْفِرْ ذَنْبَنَا وَذَنْـبَ كُــلِّ مُسْلِــمِ يَا رَبَّـنَا



وَصَلِّ يَا رَبِّ عَلـَى الْـمُخْتَـارِ صَلاَتَـكَ الْكَـامِلَةَ الْمِقْـــــدَارِ



صَلاَتَــكَ الَّتِــي تَفِـي بِأَمْرِهِ كَمَـا يَلَيــقُ بِارْتِفَــاعِ قَــدْرِهِ



ثُمَّ عَلَـى الْآلِ الْكِــرَامِ وَعَلَى أَصْحَـابِهِ الْغُــرِّ وَمــَنْ لَهُمْ تَلاَ



وَالْحَمْــدُ للهِ الَّـــذِي بِحَمْدِهِ يَبْلُــغُ ذُو الْقَصْدِ تَمَـــامَ قَصْدِهِ

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

نبذة عن الزاوية الناصرية لتامكروت


نبذة عن الزاوية الناصرية لتامكروت

التعريف بالزاوية الناصرية:


تعتبر منطقة درعة مهد حضارات سادت لفترة من الزمن وأعكت إشعاعا حضاريا تاريخيا، اجتماعيا وثقافيا ودينيا تمثل على الخصوص في المشعل الذي حملته الزوايا المتواجدة بالمنطقة وعلى رأسها طبعا أم الزوايا، الزاوية الناصرية بتمكروت، هذا الاسم الذي كان يطلق قديما على كل المنطقة المتواجدة ما بين بلدة تمتيك وقبائل بني علي في الخمس الرابع من الأخماس المكونة لمنطقة درعة *، ثم تقلص ليشمل فقط دواوير تمكروت، تزروت، وزاوية سيدي الناس أما حاضرا فلا يشمل إلا مدشر تمكروت فقط وهو مركز قروي يبعد عن مدينة زاكورة بحوالي 18 كلم إلى الشرق وعن محاميد الغزلان بحوالي 78 كلم ، يحده شرقا جماعة فزواطة وشمالا جبل العثماني وغربا زاوية سيدي علي وجنوبا مجرى وادي درعة الحديث، وفي هذا الصدد سأتناول الزاوية الناصرية التي ظهرت بالمنطقة والتي كغيرها من الزوايا الصوفية لعبت دورا رئيسيا في المجال الديني والثقافي والاجتماعي والسياسي، كما سابرز الأهمية التي تحتلها خزانة الكتب الخاصة بهذه الزاوية.
2-1- التأسيس التاريخي :
" تأسست الزاوية الناصرية على يد الشيـخ عمرو بن أحمد الأنصاري سنة 983 هـ"1، وقد ارتبط اسم الزاوية باسمه، "ثم دعيت بالزاوي الحسينية نسبة إلى الشيخ عبد الله بن حسين الرقي المتوفى سنة 1045 هـ"2، وبتولية محمد بن ناصر سميت بالزاوية الناصرية، وهو الاسم الذي مازال
سارية حتى يومنا هذا. وقد تعاقدت على إدارة أمور الزاوي بعد الشيخ عمرو عدة خلفاء كالخليفة عبد الله بن الحسين الرقي ثم تلميذه أحمد بن ابراهيم الانصاري ثم محمد بن ناصر الذي كانت توليته بداية مرحلة عرفت تعاقب ابناء ناصر على خلافة الزاوية وكان يشترط فيهم الكفاءة والقدرة والصلاح اقتداء بنهج الخلافاء الراشدين الاربعة، وقد كانت معارف محمد بن ناصر جمة ومجهوداته في إشاعة العلم كبيرة كما شهد له بذلك له تلميذه أبو علي اليوسي إذ يقول فيه :"وكان مشاركا في فنون العلم كالفقه والعربية والكلام والتفسير والحديث والتصوف، وكان مع انكبابه على علوم القوم وانتهاجه منهج الطريقة لا يخل بالعلم الظاهر تدريسا وتأليفا وتقييدا وضبطا."3
أما منهجه في التدريس فيقوم على تصحيح المتن المدروس وحل مشكله وهو يقول في هذا الصدد :" الإقتصار على سورة المسألة أنفع للمبتدئين والإكثار من الأثقال أضر بالمتعلمين." وقد تتلمذ على يده مجموعات كبيرة من الطلاب وفيهم أئمة وأعلام من مختلف جهات المغرب أشهرهم :
محمد بن ابراهيم الهشتوكي من سوس، ومبارك بن عبد العزيز العنبري الغرفي من سجلماسة وأبو سالم عبد الله بن أبي بكر العياشي من الاطلس المتوسط ثم عبد الرحمن السويدي.
وبعد وفاة محمد بن ناصر سنة 1085 حلفه في رئاسة الزاوية الناصرية ابنه الإمام أبو العباس أحمد الذي كان إمام عصره علما وعملا، مواضبا على سرد الحديث وعلومه والتفسير والتصوف وأصول الدين عاكفا على تدريس المؤلفات والذي اقتفى سنن أبيه في التزام الستة والدعوة ومحاربة البدع، "كما شهدت الزوايا في ايامه إقامة بنايات مدرسية طبعتها بشارات تعليمية جديدة فقد اسس إيوانا ليكون مركزا للتدريس ومن خلفه ابتنى حماما للطلبة وسواهم من الوافدين وزوده بالماء الساخن في سائر الأوقات، وبمقربة منه شيد مدرسة لسكنى طلاب العلم المجاورين."1
"فالزاوية الناصرية تقدم لنا إذن نموذجا مثاليا للزاوية الصوفية التي استطاعت الحفاظ على وضعها لقرنين فأكثر من الزمن، فقد كان شيوخ هذه الزاوية منذ تأسيسها على يد عمرو بن أحمد الأنصاري تعتمد مبدأ الكفاءة الشخصية في ولاية الاستخلاف ولم تتحول إلى مشيخة وراثية إلا مع الناصريين"2

2-2- الدور الإجتماعي للزاوية الناصرية:

تزامن تأسيس الزاوية التمكروتية مع فترة متأزمة تمثلت اساسا في وجود تجزئة سياسية وعدم استقرار، فقد كانت القبائل تتناحر وأصبح قانون الاقوى هو السائد، فخربت البلاد وعمت الفوضى وعرقل غياب الامن المعملة التجارية إضافة إلى توالي الأوبئة والمجاعات، " إلا أن الشيوخ الأوائل للزاوية استطاعوا بفضل ما كانوا يعرفون به من صلاح وفضيلة أن يفرضوا نفودهم على هاته القبائل المتناحرة وبسرعة فائقة أضحى شيوخ تمكروت يقومون بدور الوساطة والتحكيم في الحروب غير المنقطعة للقبائل."3 "هذا فضلا عن حماية المظلومين وإيواء أبناء السبيل وإطعامهم والوقوف في وجه تعسف الولاة ومكائدهم، واختصت بنشر العلم والتحريض على الجهاد وكانت ملجأ لكل مظلوم وطالب حماية"4
" والمعروف أن الشيخ ابو العباس أحمد بناصر أقام الزاوية لإقامة دين الله وإطعام الطعام لوفود العرب والعجم ويأوي إليه المساكين والفقراء وطلبة العلم المجاورين المقيمين من الفقهاء والمدرسين والعباد باهاليهم وأولادهم يأكلون ويشربون بفضل الله لا يحصون عددا"5
نستخلص إذن أن الشيوخ الأوائل المتعاقبين على ولاية الزاوية قاموا بأدوار إجتماعية هامة ساعدت على دوبان الفوارق خاصة وأن الزاوية توجد في مجتمع جمع بين عناصر إتنية مختلفة اختلافا شديدا في العرق واللون ونمط العيش.

الإشعاع الديني والعلمي للزاوية:

لقد كانت الزاوية الناصري بإجماع الكثيرين قدامى ومعاصرين مركزا علميا مرموقا يؤمه الطلاب من كل حدب وصوب، فقد سعت منذ تأسيسها على يد حفص عمرو بن أحمد الأنصاري على نشر التعاليم الإسلامية في حللها الخالية من شوائب التحريف والزيغ عبر إصلاح يروم مناهضة واقع الشعودة والتدجيل والاحتيال. وقد أهلها لذلك ما اشتهر عن أصحابها من علم وورع وحرص على اتباع السنة ونبذ الشهوات وتكريس الحياة لمجاهدة النفس والدعاء إلى الله وحده، "فقد كان أبو حفص عمرو الأنصاري قطبا جامـعا وغـيثا نافعا"1.

ويقول صاحب "طبقات الحضيكي" عن الشيخ احمد بن ابراهيم:" العارف الأكبر، وبحر الشريعة والحقيقة، كان رضي الله عنه من أكابر العارفين والقائمين بالحق والحافظين لحدود الله والمحافظين على السنة وإخماد البدعة."2

وعن محمد بن ناصر يقول أبو سالم العياشي :"كان شديد الإتباع للسنة في سائر أحواله حتى في لباسه وأكله في أنواع العبادات والعادات."3
وقد كثر أتباع الزاوية وأخذ نفوذها يتسع بدءا من القرن السادس عشر الميلادي ليعم مختلف جهاتى المغرب وذلك بفضل نشاط الدعاة الذين كانوا يبعث بهم شيوخ الطائفة من تمكروت بدرعة إلى المناطق النائية يؤسسون بها زوايا ويعملون انطلاقا منها على نشر الطريقة الناصرية ومن هؤلاء الأتباع يحيى بن أحمد أخمليش الذي اسس عددا من الزوايا وكون عددا من الأتباع في جبال الريف. " وقد أدت الزاوية الناصرية خدمة جليلة للثقافة الإسلامية وتعدت ذلك إلى مناحي اللغة والآداب فكانت ثالث مركز قروي يدرس فيه كتاب سبويه لهذا العـهد بينما لا نجد أثرا لدراسة الكتاب في فاس وغيرهما من المراكز الحضارية."4
ولا أدل على هذا الدور العظيم الذي اسدته الزاوية في سبيل الحفاظ على المقومات الدينية الاسلامية اشتمالها على خزانة تمثل أعظم خزانة ضمتها زاوية مغربية، ويكفي أن ما تبقى منها في السنة الأولى من استقلال المغرب كان يناهز عشرة آلاف مخطوط سلمت بدون شك من آلاف أخرى انتهبتها الأيدي عبر الأجيال، وقد نقل معظمها إلى الخزانة الملكية بالرباط إبان تولي السيد المكي الناصري وزيرا للأوقاف، ولم يبقى فيها حاليا سوى أربعة آلاف مخطوط.
الدور السياسي للزاوية :

"إلى جانب نشاط الزاوية الديني والعلمي والإجتماعي ، فإنها لعبت دورا سياسيا مهما يتمثل في المحافظة على الأمن والاستقرار سواء في المناطقة المجاورة أو البعيدة عنها وإقامة الهدنة بين المتنازعين وتأمين طرق التجارة والمبادلات خاصة بعد وفاة السلطان السعدي أحمد المنصور 1012/1603 وخلو منطقة درعة من سلطة مخزنية قادرة على تأدية واجبها تجاه أهالي هذه المنطقة النائية، فأصبح السكان يلجأون إلى شيوخ تمكروت لعقد الأوقاف والتفاوض من أجل السلم والتجارة."1

وفي اللحظة التي وصل فيها العلويون إلى السلطة كانت الزاوية الناصرية من أغنى زوايا المغرب وأوفرها مالا وأملاكها في مختلف جهات المغرب. هذا النفوذ الاقتصادي بالإضافة إلى نفوذها الروحي كان له اثر في اتخاذ موقف متحفظ في بداية الامراتجاه الحكم الجديد، ورغم أن هذا الموقف لم يأخذ إلا بعدا دينيا إذ رفض شيوخ الزاوية ذكر اسم السلطان في خطب الجمعة، وقد كان يعصف بالزاوية وبالتالي بممتلكاتها وشيوخها. فقد ورد في طلعة المشتري أن الشيخ محمد بناصر لم يخطب لملك قط فوقع بذلك بينه وبين المولى الرشيد العلوي شأن فبعث هذا الأخير إلى الشيخ كتابا أبلغ فيه من التهديد والتقريع وأمره بالمثول بين يديه والقدوم لدى حضرته وإن تخلف فعل به وفعل، فلما فض الشيخ الكتاب وقرأه كتب في أسفله:"فاقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا."2فلما بلغ الرشيد هذا الجواب قام وقعد وجهز كتيبة في الحال وسيرها إلى الزاوية للإيقاع بالشيخ وحزبه، إلا أنه وبعد تدبر في ذلك الجواب أمر بعودة الكتيبة وقال :"والله ما يخرج هذا الخطاب من قلب فارغ ولا حاجة بنا إلى إذايته فإن شاء خطب ، وإن شاء ترك"3.
"وقد نهج خليفته أحمد طريق أبيه، فرفض بدوره ذكر اسم السلطان المولى اسماعيل في خطب الجمعة، وتعرض بسبب ذلك لانتقادات كادت أن تعصف به هو الآخر".1"الملاحظ أن رفض الشيخين الخطبة باسم السلطان على المنبر إنما كانت تمليه رغبتهما التابثة في الحفاظ على السنة والخوف من السقوط في بدعة من البدع"2.

إذن فالزاوية الناصرية التي بالرغم من أن نفوذها الروحي وثرواتها الكبيرة أدت إلى مضايقة بعض شيوخها، فإنه لم يكن لها مواقف سياسية معينة، لأنها كانت في موقع أقل تورطا في الصراعات السياسية الداخلية ، وبدون شك فإن شيوخ الزاوية أنفسهم والذين وجهوا همهم لنشر الطريقة ولبث المعرفة كان لهم ضلع في هذا الحياد.
II- دار الكتب الناصرية :
1- تأسيسها وتطورها:
ابتدأ تأسيس دار الكتب الناصرية من ايام عبد الله بن ناصر الذي بذل مجهودا مهما في جمع كتبها الأولى، وإلى جانب المؤلفات التي اقتناها بالشراء، نسخ بنفسه واستنسخ العديد من الدواوين العلمية ومن مستنسخاته بخطه "القاموس للفيروزابادي، "الأمالي" لأبي علي القالي، و جزء من كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه ، و"المنصف في الكلام على مغنى ابن هشام"للشمني، وهذا الأخيرلا يزال محفوظا ضمن المجموعة الباقية بتمكروت تحت رقم 637.
"كما اعتنى أيضا بتصحيح الكتب ومقابلتها وتقييس الفوائد بهوامشها وقد عاين أبو العباس الهشتوكي كثيرا من كتبه خصوصا نسخ الصحيحين للبخاري ومسلم هذا بالإضافة إلى مجموعة من الهدايا تلقتها المؤسسة في فترة تأسيسها".3غير أن الخزانة في عهدها الاول لم تكن تتوفر على مركز منتظم ويدل على هذا ان الكتب في هذه الفترة كانت موضوعى على الأرض مباشرة، حتى أهدي لمؤسسها حصير ليفرشه لنومه فآثر وضعه تحت الكتب وقاية لها، واستمر ينام هو وأسرته على التراب"4. وهو نموذج للتضحية في سبيل العناية بالكتب.
أما عن بناية الخزانة فقد شيدت بعدما صارت إلى نظر أبي العباس ابن ناصر وهو الذي اشترى لها الكتب بالأحمال من المغرب والشرق وضرب في هذا الصدد رقما قياسيا لم يصل إليه أحد من شيوخ الزاوية الناصرية، وهو الذي استلف بمصر آلافا من المثاقيل واشتراها كلها كتبا. ومن المعروف أنه هو الذي جلب إلى المغرب لأول مرة النسخة اليونينية من صحيح البخاري وهي موزعة بين عشرة أجزاء بخط شرقي وعلى أول جزء منها بخطه:"ملك لله تعالى، بيد أحمد بناصر كان الله له بمكة المشرفة، بثمانين دينارا ذهبا"1وبعد عهده سعى كل من تولى أمر الزاوية إلى زيادة كتبها فأضيفت إلها أعداد هائلة من الكتب بالشراء والاستنساخ أو عن طريق الاهداء وسجل في هذا الصدد عمل يوسف بن محمد الكبير على تزويد الخزانة بكتاب البيان والتحصيل لابن رشد الذي تلقى في شأنه رسالة من السلطان محمد بن عبد الله يعده فيها أن يمده بها. كما أن كل من يموت من أعلام الزاوية وأولادها تضاف كتبه إلى المكتبة العامة فضلا عن خزانات بعض الاعلام في جميع الآفاق يحجون إلى الزاوية الذين تطوعوا فوقفوا خزاناتهم الخاصة على الخزانة العامة كما صنع كل من أحمد ابراهيم السباعي وأبي العباس أحوزي الهشتوكي، وابي الحسن علي الدمناتي حيث لا تزال خزانة الزاوية تحتفظ بخزاناتهم.

هذا إضافة إلى أن بعض شيوخ الزاوي عملوا على حيازة المؤلفات الموقوفة على الزوايا الفرعين لنقلها إلى الخزانة المركزية بتمكروت، ولهذا لا تزال هذه الخزانة تحتفظ بمخطوطات موقوفة على زوايا الرباط وفاس وتطوان حسب الأرقام: 214-284-1478-1866-1047، هذا إلى جانب الكتب التي كانت موقوفة على زاوية الفضل وجامع الخطبة بتمكروت حسب رقمي : 541-1323 ."2
2-موضوعات كتب الخزانة :
وأما عن موضوعات كتب الخزانة فتشمل ما يلي :
* "كتب الأثر: السيرة الشامية، النهاية لابن الأثير، الفائق للزمخشري، الأول في نهج النهاية، الكفاية في مختصر النهاية، زيادة الجامع الصغير في سفرين، زيادة الكبير في سفرين، إعراب مشكل الحديث للسيوطي، الجمع بين الصحيحين للفرغاني، المصابيح للبغوي، المقاصيد الحسنة للسخاوي، التذكرة للقرطبي ، الدلائل لتابث السرقطي، عمل اليوم والليلة للنسائي، الجامع بين المنتقى والاستذكار للتلمساني، شرح العمدة لابن الأثير، علوم الحديث لابن الصلاح، بوادر الأصول للحكيم الترمدي،
الحدائق في سيرة سيد الخلائق للمستغانمي بخطه... وغيرها كثير.
* التواريخ : أهمها لابن عساكر ، البداية والنهاية لابن كثير في سبع اسفار.
* التفاسير : كثيرة منها بضع وأربعون من غير الثكرار.
* تآليف الإمام السيوطي : لا تكاد تنحصر لأنها كثيرة أكثرها بخطه.
* المسانيد : قليلة العدد.
بالإضافة إلى شرح البخاري ومسلم وحواشي السنة وغير ذلك مما هو متداول من كتب الحديث "1، هذا فضلا عن مؤلفات النحو والآداب والعقائد والفقه والتصوف والفلسفة والمنطق والفلك والرياضيات والحساب والطبيعيات والجغرافية حتى أصبحت أغنى الخزانات الإسلامية بالمغرب ولا أدل على ذلك أكثر من رسالتين تلقى إحداهما الشيخ علي بن يوسف الناصري من المولى سليمان في غرض استعارة كتابي التفسير والنزهة لابن كثير من الخزانة الناصرية والثانية صادرة عن السلطان محمد بن عبد الله إلى الشيخ يوسف الناصري جوابا عن كتاب هذا الأخير في غرض استنساخ البيان والتحصيل لابن رشد برسم هذه الخزانة.

بناية الخزانة وتسييرها:

كانت الخزانة في فترة ازدهارها تخضه إلى أنظمة وتقاليد متبعة، فقد تبث عن ابي العباس بناصر أنه رتب محتوياتها حسب العلوم وجعل لكل نوع علامة تميزه عن غيره ولم يكن يمنع إعارة الكتب لمستحقيها حيث وضع نظاما للإعارة والمحافظة على الخزانة وتبث عنه أنه قال لأهله في توصيته بالكتب " إذا أنتم حفظتموها وتعاطيتموها كما هو مألوف حفظها الله لكم وجلب لكم غيرها، والعكس بالعكس".
ولم يعرف للخزانة دفتر قديم يستوعب محتوياتها، وأول لائحة معروفة هي التي وضعت لها بعد
تراجعها بمبادرة شيخ الزاوية أبي العباس احمد بن أبي بكر الناصري، وتحمل تاريخ 20 جمادى الثاني عام 1336 هـ وهي تشمل على حوالي ألفي مخطوط دون اعتبار محتوايات المجاميع وجاء ترتيب ابواب اللائحة هكذا:
- كتب خزانة الروضة الناصرية
- كتب خزانة الاشياخ
- كتب الطارمة*العلوية
ولا تزال هذه اللائحة مخطوطة في نسختين من حجم صغير إحداهما بالخزانة العامة تحت رقم ج 975 في 74 صفحة، والثانية بالمكتبة الملكية رقم 5657 في 82 صفحة. أما المقر القديم للخزانة فالظاهر أنه لم ينتظم إلا مع ولاية أبي العباس ابن ناصر حيث وضعت محتوياتها في دار على حدة صارت تعرف ب"دار الكتب" وقد جاء عنه أنه ابتنى خزانة جيدة لهذا الغرض ، كما أنه اعتنى أكثر ببيت الكتب الذي شيده عام 1123هـ وأثقنه ببدائع الصنعة واستجلب له الصناع من فاس وجمله بطاقات مغطاة بالزجاج الملون. فإذا أشرقت الشمس انعكس شعاعها إلى الداخل ليزيد منظر بيت الكتب حسنا وبهجة، وقد استمرت هذه الخزانة بدار الكتب حتى العقود الأخيرة وكان موقعها من ملحقات سكنى شيخ الزاوي في بناية مرتفعة تشتمل على بيتين إحداهما "بيت الكتب الكبير" والثاني يعرف ب"بيت الكتب الصغير" مع مخبإ عال يعرف بالطارمة العلوية، وكلها مستودعات للكتب في خزانات خشبية موزعة حشب العلوم.
وقد أخرجت من هذه الدار في تاريخ غير محدد مجموعة من المؤلفات الحديثة وبعض كتب التفسير واللغة والتصوف، ووضعت على حدة داخل المشهد الناصري في خزانات حائطية صار مجموعها يعرف بخزانة الروضة وأخيرا نقلت المخطوطات من دار الكتب وخزانات الروضة ووضعت جميعها بالمدرسة القديمة.

أما الآن فقد وضعت الكتب الباقية في بناية جديدة شيدت خصيصا برسم هذه الخزانة وجاء
موقعها بمقربة من خارج باب الرزق في الجنوب الغربي للزاوية وهي عبارة عن قاعة فسيحة في عرضها وطولها تتخللها نوافذ للضوء والتهوية، وهي مجهزة برفوف خشبية مغطاة بواجهات زجاجية لحفظ المخطوطات وصيانتها فضلا عن مقاعد وطاولات للقراء.
1-2-عوامل انحطاطها :
أخذت هذه المؤسسة تتراجع في صدر المائة الهجرية الثالثة عشر حيث سجل ضياع الكتب من الخزانة وتجاهل المعنيين بالامر للباقي منها ورغم أنه من الصعب تحديد فترة أو سنة اضمحلال الخزانة وضياع ثروتها الكتبية نظرا للغموض الذي يلف ماضي المنطقة في هذه الحقبة إلا أنه يمكن إجمال أسباب ذلك فيما يلي:
Ø أسباب طبيعية: تتمثل في حملة مائية سالت على الزاوية ومرت على الخزانة فذهبت ببعض الكتب وهذا ما سبب في تآكل بناية الخزانة ودعى إلى ضرورة توزيعها في أماكن أخرى.

Ø أسباب بشرية واجتماعية : ناتجة عن الاسباب الطبيعية، فقد أصبحت الكتب مبتدلة ومتداولة بين الناس طلبة وعمالا أخذوا ينقلونها من مكان إلى آخر دون تقييد، وينضاف إلى هذا أن الزاوية تعرضت لعمليات هجومية نهبت فيها الأموال والكتب .

Ø وهناك إلى جانب ما تقدم عامل آخر ثانوي دعت له الإستراتيجية التي كانت من مستجدات العصر يكمن في نقل مجموعة من المخطوطات في الخزانة لتحفظ بالخزانة العامة بالرباط تقريبا لها من الباحثين والناشرين والمحققين.




هكذا يتبين أن الزاوية الناصرية تعتبر مركزا علميا مرموقا وتؤدي خدمة كبرى في سبيل الحفاظ على الثقافة الإسلامية بالخصوص في الجنوب المغربي، وهذا ما تسجله القولة الشهيرة :"لولا ثلاثة لانقطع العلم بالمغرب لكثرة الفتن التي ظهرت فيه، وهم سيدي محمد بن ناصر في درعة و سيدي محمد بن أبي بكر الدلائي في دلاء ، وسيدي عبد القادر الفاسـي"1، خاصة وأن هذه الزاوية تضم واحدة من أهم الخزانات بالمغرب وأغناها على الإطلاق لما تشمل عليه من نفائس الثرات ومعالم في التاريخ تستدغي تظافر جهود الجميع للحفاظ عليها.








--------------------------------------------------------------------------------

*- ورد ذكر هذه الأخماس في الدرر المرصعة ص : 20/24/ 217 ، وطلعة المشتري لأحمد بن خالد الناصري الجزء الاول ص :160/166/171

1 - محمد المكي بن موسى الناصري : "الدرر المرصعة بأخبار أعيان درعة" تقديم وتحقيق محمد الحبيب النوحي ، رسالة ديبلوم الدراسات العليا، كلية الرباط 1988 ص 134.

2 - المرجع السابق 211.

3 - محمد المنوني: "حضارة وادي درعة من خلال النصوص والآثار"، مرجع سابق ص 143.

1 - مجلة دعوة الحق : مرجع سابق ص 146.

2 - مجل أمل : مرجع سابق ص 45.

3 - ضريف محمد : "مؤسسة السلطان الشريف، محاولة في التركيب" افريقيا الشرق الدار البيضاء، 1988 ص 72.

4 - عبد السلام المهماه : "المرأة المغربية والتصوف في القرن الحادي عشر الهجري" مطابع دار الكتاب، الدار البيضاء، الطبعة الأولة 1398-1978. ص 53.

5 - محمد بن أحمد الحضيكي :"طبقات الحضيكي" المطبعة العربية(الدار البيضاء) الطبعة 1 –1355 ، الجزء الأول ص 79-81.



1 - أحمد بن خالد الناصري :"طلعة المشتري في النسب الجعفري" نشر المؤسسة الناصرية للثقافة والعلم –سلا- الجزء الأول ص 129.

2 - محمد بن أحمد الحضيكي :" طبقات الحضيكي" ، مرجع سابق ص 59.

3 - دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية ص 22.

4 - محمد حجي :"الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين"، مرجع سابق ص 551.

1 ضريف محمد :" مؤسسة السلطان الشريف بالمغرب "، المرجع السابق ص 72.

2 - سورة طه : الآية 72.

3– احمد بن خالد الناصري :"طلعة المشتري في النسب الجعفري" المرجع السابق ص 165-166.

1 - محمد المكي بن موسىالناصري :"الدررالمرصعة" المرجع السابق ص 80.



2- أحمد بن خالد الناصري:"طلعة المشتري" المرجع السابق ص 81.

3 - مجلة دعوة الحق :المرجع السابق ص 147.

4 - محمد المكي بن موسى الناصري :" الدرر المرصعة" المرجع السابق ص 311.

1 - مجلة دعوة الحق : المرجع السابق ص 147

2 - دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية ص 18-19.

1– دليل المخطوطات : المرجع السابق ص 30-31.

* الطارمة : تعبير مغربي عن مخبإ مستور عن الأنظار.

1 - أحمد بن خالد الناصري : "طلعة المشتري في النسب الجعفري" المرجع السابق ص 133.

ouhra1055.jeeran.com

الأربعاء، 15 أبريل 2009

قائمة لساداتنا خلفاء سيدي امحمد ابن ناصر الدرعي الشاذلي

قائمة لساداتنا خلفاء سيدي امحمد ابن ناصر الدرعي الشاذلي

1- العارف بالله سيدي امبارك بن عزي الفلالي
2- العارف بالله سيدي امحمد ابن ابي زيان القندوسي
3- العارف بالله سيدي احمد ابن امحمد ابن ناصر الدرعي
4- العارف بالله سيدي محمد الاعرج ابن امحمد ابن ابي زيان
5- العارف بالله سيدي الحسين ابن امحمد ابن ابي زيان.
6- العارف بالله سيدي ابي مدين ابن محمد الاعرج.
7- العارف بالله سيدي عبد الله الرقاني
8- العارف بالله سيدي عبد الوهاب التازي
9- العارف بالله سيدي احمد ابن ادريس العرائشي
10- العارف بالله سيدي محمد بن علي السنوسي
11- العارف بالله سيدي عمر المختار الليبي
12- العارف بالله سيدي محمد بن سي مو القندوسي
13- العارف بالله سيدي محمد الاعرج بن الحاج البشير
14- العارف بالله سيدي عبد الرحمن بن سيدي محمد الاعرج
15- العارف بالله سيدي الحسين بن سيدي حمو القندوسي
16- العارف بالله سيدي محمد بلقائد فقد اجازه سيدي الحسين بن سيدي حمو ثم سيدي عبد الرحمن بن سيدي محمد الاعرج
17- العارف بالله سيدي علي البودليمي فقد اجازه سيدي الحسين بن سيدي حمو
18- العارف بالله سيدي محمد صالح الجعفري
19- العارف بالله سيدي ابي الاخلاص الزرفاني
20- العارف بالله سيدي محمد زكي ابراهيم
21- العارف بالله سيدي محمد ظافر المدني
22- العارف بالله سيدي عثمان بن رشيد
23- العارف بالله سيدي عباسي محمد المهدي
24- العارف بالله شيخنا الحالي سيدي محمد الاعرج
25- العارف بالله سيدي نور الهدى الابراهيمي

صورة الشيخ ابن الناصر في قصيدة اليوسي

صورة الشيخ ابن الناصر في قصيدة اليوسي



علي المتقي



تعد الزاوية الناصرية إحدى الزوايا الثلاث المشهورة في القرن العاشر إلى جانب الزاوية الدلائية والزاوية الفاسية، اشتهرت بوظيفتها العلمية والاجتماعية والسياسية والدينية، وسط عدد كبير من الزوايا الأخرى التي تدعي العلم والمعرفة. وكانت لهذه الزوايا الثلاث علاقة فيما بينها على الرغم من تباعد مواقعها، إذ كانت تتصل فيما بينها بالتزاور والتراسل والتلمذة. وكان من نتائج ذلك فيما يرى الدكتور محمد حجي أن تشابهت في وسائل عملها ونتائجه[1]. ويرى محمد بن أحمد الفاسي أن العلم في المغرب أحياه ثلاثة من الشيوخ سيدي محمد بن أبي بكر الدلائي وسيدي محمد بن ناصر في درعة و سيدي عبد القادر الفاسي وهم شيوخ هذه الزوايا الثلاث[2].
وقد تأسست هذه الزوايا في القرن العاشر وهو عصر يتسم بازدهار الفكر الصوفي في المغرب الذي كانت مهمته الأولى هداية الناس وتهذيب أخلاقهم ونشر تعاليم الطريقة الشاذلية، ثم تحولت بعد ذلك إلى مراكز علمية تشد إليها الرحال.

تلتقي الزاوية الناصرية مع الزاوية الدلائية في اتصالهما بالإمام الشاذلي وتشابه أورادهما. كما تتلمذ ابن الناصر على يد أحد شيوخ الزاوية الدلائية الفقيه أبو الحسن علي بن يوسف الدرعي تلميذ محمد بن أبي بكر الدلائي. ويعد أبو علي حسن اليوسي أهم صلة تربط بين الزاويتين فقد درس بتامكروت على يد الشيخ ابن الناصر و أخذ عنه عهد الشاذلية وهو ما يزال حدثا، ثم التحق بعد ذلك بالزاوية الدلائية ليصبح بها أستاذا لمدة طويلة تقارب العشرين سنة ظلت خلالها العلاقة بين الزاويتين قائمة. ولعل قصيدته المشهورة التي مدح بها ابن الناصر والتي شرحها في كتابه" نيل الأماني في شرح التهاني"[3]شهادة حية لمكانة هذا الشيخ عند اليوسي خاصة والزاوية الدلائية عامة.

مقدمات

أ ـ كيف نتعامل مع القصيدة ؟

هل نتعامل معها باعتبارها قصيدة مدح على الطريقة العربية القديمة فنرى في اليوسي شاعر مدح يسعى لرسم صورة نموذجية مثالية نمطية للممدوح ليست بالضرورة هي صورة ابن الناصر الحقيقية، و إنما هي صورته الكاملة كما أرادها اليوسي. ومن هنا لا يمكن التعامل معها باعتبارها مصدرا للمعرفة التاريخية عن الزاوية وعن ابن الناصر. أم نتعامل معها بوصفها منظومة للطريقة الشاذلية: وظيفتها و العلاقات الصوفية القائمة بين الشيخ والمريد وأداة للتربية والتكوين على الطرقة الشاذلية. وفي هذه الحال يتراجع الأدب إلى الوراء ليفسح المجال للمؤرخين ليحفروا في عمق القصيدة ويقارنوا بين ما ورد فيها و ما جاء في كتب التاريخ. ومهما كان الجواب فإن للتاريخ حظه و للأدب حظه و للتصوف حظه.

ب ـ تتكون القصيدة مما يزيد عن 540 بيتا من الشعر ليس فيها قافية مكررة. وهو عدد من الأبيات لا يأتيه إلا من أوتي حظا من العلم والمعرفة وموهبة شعرية قل نظيرها. إلا أن أبا علي اليوسي يأبى إلا أن يعتبرها كرامة من كرامة شيخ الغوث الكبير أبي عبد الله محمد بن الناصر الدرعي " فإني والله ليس لي فيها قوة ولا حول ـ يقول اليوسي ـ و إنما هي نفحة من نفحاته وبركة من بركاته."

كيف كانت هذه القصيدة نفحة من نفحات ابن الناصر وبركة من بركاته؟ هذا ما لم يجب عنه اليوسي، و إنما اكتفى بالإشارة على طريقة المتصوفة ولسان حاله يقول:

فكان ما كان مما لست أذكره
فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر.
وإذا كانت هذه القصيدة قد جمعت بين علوم اللغة وعلوم الأدب وآداب التعلم وغيرها من الفنون والعلوم في زمن عمت فيه الغباوة والجهل وتقاصرت الهمم عن علوم اللسان كما يقول اليوسي، فإنني سأقتصر على القسم الخاص بالمدح و الذي يبتدئ بالبيت 230.

يمكن تقسيم هذا القسم إلى ما يلي:

1 ـ الرحلة: تشد الرحال قديما لكسب المال أو لكسب العلم النافع. وقد ابتدأ اليوسي باختيار عند من سيلقي عصاه، فإذا كان المادحون يلقونها عند ابن طاهر، فإن الشاعر اختار شيخ الغوث ابن الناصر وهذا الاختيار يحدد طبيعة رحلة الشاعر، إذ لم تكن هذه الرحلة لهدف مادي سعيا للغنى، إنما لهدف علمي صوفي تكويني، فجاءت الأبيات مبنية على اسم التفضيل بين ابن طاهر وبين ابن الناصر. وقد استعار الشاعر للعلم والمعرفة معجما من حقل الغنى المادي ليثبت أن ما يجب أن يسعى إليه الإنسان هو الغنى العلمي. يقول :

229 لوكان عبـد الله يسمـع نوحتـي
ألقت عصاها رحلتــي وتزود
230 حلا لقد أسمعتها أنـدى يـــدا
منه و أجود بالنفيس المتلـــد
231 وأجم أفضالا و أفسـح جانــبا
منه و أكفى للعويص الأمــرد
232 و أجل مقدارا و أعلـى همــة
منه و أرأف بالغريب الألمــد
233 وأعز منه درى وأوشـك نصـرة
لفتى بأيدي الحادثات ملهـــد
234 و أعم عارفـة و أطهـر ساحـة
وأعف عن جاف له ومـــندد
235 وأبر أفعالا و أزكـى شيمـــة
و أحق بالمجد الرفيع الأنجــد
236 غيث الورى الشيخ ابن ناصر الذي
نصر الله به شريعة احمــــد
237 وأعاد وجه الدين ابيض مســفرا
بهجا مقرا عين كـل موحـــد
إن الصورة التي رسمها اليوسي لابن الناصر بالتأكيد صورة شعرية مادحة جمعت كل أفعال الفضل في شخص الممدوح لتصل به إلى الكمال.

والحديث عن شيخ يجمع كل هذه الصفات يقتضي توكيدَه بالفعل، ولن يكون هناك فعل أقوى وأقنع من دوره في إصلاح حال الشريعة الأحمدية في عهده، إذ بهذا الإصلاح استحق أن يكون عنده شيخ الغوث.

فقد كان العصر عصر بدع وجهل وعادات حتى أقفرت السنة النبوية و انطمست معالم الدين والهدى وساد اتباع الشهوات و الضلالة و الخلاعة والتشدد والغلو.هذا ما يؤكده المرحوم محمد حجي بقوله : تكاثرت الزوايا في المغرب خلال القرنين العاشر و الحادي عشر للهجرة حتى كاد عددها يفوق عدد المساجد، و اختلط فيها أمر الصالحين بمدعي الصلاح من ذوي الأغراض الفاسدة و المشعوذين، وعسر تمييز الطيب من الخبيث." فكان لابن الناصر الفضل في العودة بالدين إلى منابعه الأصلية كتاب الله وسنة نبيه .يقول اليوسي:

249 فكشفت جلباب الجهالة عن سنا
بدر لسائمة الضلال منـــدد
250 بل ضوء صبح بل نهار ناسخ
آياته ليل الشكوك الـــزرد
251 وطلعت في فلك الهداية و التقى
بجلاء محل م الكواكب أسعـد
253 بمغرب و مشرق متيمـــن
متشائم متكـوف متبغــــدد
كناية عن وصول ضوء علمه إلى أقصى المشرق.

ولم تكن هذه الصورة التي رسمها الشاعر للممدوحه مشتركة مع غيره من الشيوخ و الأساتيذ في الزوايا المنتشرة في كل مكان و إنما هو وحيد زمانه الذي بلغ مبلغ الكمال والذي لا نظير له حتى انتفى معه المثنى والجمع. وشيخ هذا شأنه لا يستغنى عنه أبدا ولا بد من أن تشد الرحال إليه.

290 فهو الوحيد ومن يكن في دهره
لم يلقه فكأنه لم يوجــد
291 فرد وليس له نظير فانتفــى
جمع وتثنية لهذا المـفرد
ولهذا وصفه بالهادي المهدي كما وصف مشايخه بالمرشدين الرشد. والأولى أن يكون الإنسان مهديا ليهدي فنقول المهدي الهادي لأن هداية الشيخ تسبق هدايته لغيره، إلا أن التأخير يجعله يصفه بالصفة الغالبة الثابتة عليه وهي صفة المهدي لا الهادي وكذلك المشايخ فصفتهم الثابتة هي أنهم رشد و المتجددة هي المرشدين.

3 علاقة الشيخ ابن الناصر بشيوخه:

إذا كان ابن الناصر واحدا لا تثنية له و لا جمع في زمنه ،فلأنه وارث سر من سبقه من الشيوخ الذين لا يقلون عنه مكانة، فقد بلغوا جميعا مبلغ الكمال، لأنهم نهلوا من شجرة علم واحدة لا تميز بين فروعها فأثمرت الثمار نفسها.

301 ورث الإمام الشاذلي طريقــه
والليث يسري سره للفرهـــد
302سنن تهادته مشايخ قــــادة
لطوالع الزهر الدراري الوقــد
303أعظم بأعلام الهدى الطلاع في
سبل المفاز المرشدين الرشــد
304التائبين العابدين لربهــــم
و القانتين الراكعين السجـــد
305 و السائحين الحافظين حـدوده
والآمرين بها النهاة العبــــد
306 كل له ضرب بقدح فالـــج
فيها وحمل بالحديث المسنــد
309 حتى تناهي لبن ناصر الرضا
بيت القصيد و واسط المتقلـد
310 فأضاء من مصباحهم مصباحه
والفرع يزكو عند طيب المحتدي
312 فكسا الحقيقة بالشريعة فاجتلى
حسناء ترفل في شفوف الأبرد .
فالشيخ إذن له شيوخ وهي إشارة إلى قول أئمة الطريقة "من لم يأخذ أدبه من المتأدبين أفسد نفسه ومن اتبعه" فكما أن الفرع من الشجرة الطيبة يعلو ويطيب عند طيب أصله كذلك المريد يصلح ويفلح بصلاح وفلاح قدوته.

وقد تحدث اليوسى عن سند الطريقة الناصرية وأرجعها إلى أبى الحسن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

ومن خصائص ابن الناصر عند اليوسي الجمع بين الشريعة والحقيقة وهو جمع يميز التصوف المغربي الذي لم يصل في غلوه إلى إسقاط التكليف عن الشيوخ كما نجد عند بعض متصوفي المشرق، كما يسقي مريديه من أحدهما حسب مكانته العلمية فما يقدم للعامة ليس ما يقدم للخاصة ،و هذا ما أشار إليه اليوسي حينما قال

237 وأعاد وجه الدين ابيض مسفرا
بهجا مقرا عين كل موحد
وقد شرح عين كل موحد بالخاص والعام، بل أكثر من هذا، كان ابن الناصر يراعي أحوال الناس من التفرغ والاشتغال فيأمر الرجل العادي أكثر مما يأمر الطالب المهتم بدروسه و يخفف عن المرأة لضعفها ومسؤوليتها.

4 ـ علاقة المريد بالشيخ : بعد الحديث عن الشيخ ابن الناصر وعلاقته بشيوخه، انتقل الشاعر إلى الحديث عن التلمذة. وكان أول شيء يجب التفكير هو اختيار الشيخ الذي تتوفر فيه التقوى والكفاية. فالتقوى للتزود بالدين، والكفاية للتزود بأمور الدنيا. وهما خاصيتان متوفرتان في الشيخ ابن الناصر الدرعي فهو مروض الأنفس والواقف في وجه النفس الأمارة بالسوء منبع الشر. وقد شبه الترويض بالجهاد و الممدوح بالبطل القاهر للعدو.

ومن خصال الشيخ ابن الناصر أيضا أنه صاحب اخلاق عالية وسعت الأنام كلهم، هش في وجوه الوفود، ومن جاءه مروعا فهو آمن. وفوق هذا و ذاك له هيبة العالم .وعلمه علم الخاص والعام لأنه كما سبقت الإشارة يجمع بين علم الحقيقة الذي هو علم الخاصة وعلم الشريعة الذي علم العامة .

وقد وظف الشاعر نسقا استعاريا مطولا مستقى من حقل الخمر لوصف أثر هذا العلم في نفوس المريدين. وهو نسق استعاري معروف عند المتصوفة إذ يشتركان في إطراب النفس واهتزاز الروح معا . وحتى لا يفهم منه الخمر الحقيقية، كان الاحتراس حاضرا بقوة في كل بيت. يقول اليوسي:

358 صهباء ما مزجت بماء غمامة
لكن بماء محاجر لم تجمــــد
359 إيه وما طبخت بنار غير ما
نار الأسى وحرارة لم تبـــرد
360 كرم الخلائق عيصها والعلم لا
كرم الحدائق و انتباذ العنجـــد
361ودنانها الفكر الصفي هواؤهـا
لم يكس من صر الهوى أو يصخد
362 و الكأس قول فيصل في راحة
من مقول صوب الصواب معـود
363 قد صانها صون النفوس و بثها
بث النفيس لأهله لا السمــــد
بعد وصف الخصائص المتوفرة في الشيخ الذي يجب أن تشد إليه الرحال ،انتقل الشاعر إلى نصيحة المريدين، فحدد الصفات التي يجب أن يتجنبها بها المريد وهي الجبن و البخل وعسر الأخلاق و الضعف والبلادة و الحيرة و الفجور و الغفلة عن المروءة. فهذه الخصال تعوق طلب العلا وهي قابلة للعلاج بالرياضة و النفحات الربانية. وبالمقابل يجب أن يتصف بالصفات الآتية، وهي علو الهمة و القوة والفطنة و ترك الراحة والشهوات و عدم التسويف. فليس هناك أضر من الغنى و الشباب والفراغ و تسويف الفعل إلى الكبر، لأن الإنسان يقوى على الفعل و هو شاب ولا يقوى عليه وهو كهل عجوز.إن تسويف الفعل من هوى النفس ، وهي كما سبقت الإشارة عدو الإنسان لذا شبهها الشاعر بالمسنونة المسمومة التي لا تنبو من سيق في هواها، إن لم تقتله بإخراجه من الطاعة إلى المعصية أو من الإسلام إلى الكفر تتعبه وتمرضه وتذبذبه. والمرض لا يشفى إلا بمساعدة طبيب وهو الشيخ الكامل. وإذا كان الدواء لا يكون حلوا وإنما كالحنظل تطبخه وتأكله ، فإنه في الآن نفسه نفيس لا يباع ولا يقتنص إلا بالصبر و المجاهدة و طول التفكر و تدبر الآيات و الأدلة ولا بد له من تربة صالحة لكي ينمو ويتطور وتتعدد ثماره. وأجلها العلم التي تحصل به معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته و أفعاله ومعرفة ما يدور عليه أمر العبد أمسه ويومه وغده. وهذه العلوم الشرعية هي التي تستحق أن تسمى علوما، تتلوها العلوم المساعدة على هذه العلوم( علوم الآلة ) وما تبقى فهو من المباحات و لا فضيلة فيه إلا مجرد ما فيه من كمال الاطلاع على المجهول.وهي معارف تكتسب بالتنسك والتقى والإنابة إلى الله ومن اكتسبها كانت تاجا فوق رأسه .هذه القنن ليست مستحيلة ، فقد تسنمها الجنيد و حزبه فنزلوا بها شرفا لم ينزله أحد فجمعوا بين الشريعة والحقيقة وتميزوا عن من أسقطوا التكليف وعن رهبان اليهود والنصارى .

ويطلب من المريد أن يسلك مسلكهم بالمبادرة والهمة، ويتسلح بالصبر والحزم والهمة، وبعون الله وبالصدق والمحبة، صدق التوجه إلى الله تعالى والتصديق بالهداة الدالين على الله تعالى و محبة الله تعالى و محبة أهله الدالين عليه، ومن الحزم عدم التراجع وعدم التسويف . أما الصبر فهو قوام الأمر، ويميز فيه بين الصبر على الطاعة والصبر على المخالفة ويندرج ضمنهما الصبر على البلاء .

وأول شيء يجب أن يفعله المريد هو:

ـ نسيان أمر الرزق والاستجابة إلى دعوة المولى دون الالتفات إلى ما وراءها. أو التقاعس بالتسويف.

ـ الخروج من الزمن ، وذلك بان يكون ابن وقته دون الالتفات إلى ما قد مضى وما سيأتي اللهم إلا إذا كان فيه قضاء لفريضة أو تزود لحج أو جهاد .

ـ حفظ البطن وما يدخل فيه من قوت .

ـ حفظ الفرج

ـ حفظ الخواطر فلا تهجس إلا بالحق

ـ والتمييز بين الرباني والإنساني و الشيطاني .

ـ حفظ اللسان بإيثار الصمت إلا حيث لابد من الكلام أو عدم التكلم إلا بما هو مفيد.

ـ قتل النفس بكسر شهواتها وعصيانها إلا في أمور الخير.

ـ التسلح بالعلم، علم الصفات المذمومة و المهلكة، و علم الصفات المحمودة المنجية وما تنتهي به الأولى وما تحصل به الثانية.

ولا بد للسلوك والمجاهدة مع ما مر من مشاق من الاستنجاد بالله وبحوله وقوته، فهو سبحانه أحق من يدعى للحاجة. وإذا فسد شيء فباب التوبة مفتوح، وعلى المريد أن يروض نفسه على التوبة كلما زلت به نفسه .

وبما أن الرياضة والمجاهدة وغلبة النفس أمر شاق ويحتاج إلى ما ذكر فلا بد للمريد من دليل ومن مرشد بصير يرشد بالقول والفعل، خبير بمسالك الرياضة يقوي فيه الحزم والعزم ويعالج كل داء بدواء. وهي صفات متوفرة في ابن الناصر، لذا دعا الشاعر المريد إلى لزومه وعدم مفارقته وحط الرحال عنده دون عجز أو كلل فهو صاحب النفحات الربانية التي يغدو بها غير مقلل، رحب الدار. إنه شرف لدرعة لما تسمى باسمها .بل شرف للغرب الإسلامي وللسماوات العلا التي منها روحه فهو غيث الأرض، والدهر طوع يده ببركاته

وشيخ هذه صفاته طبيعي أن يشبه في توجهه إلى المشرق بالشمس ترحل من المغرب إلى المشرق فبعد ما استوفى مقامات اليقين تطلع إلى مقام ابراهيم فتعطل الغرب برحلته وكلما حل ببلد إلا وحلت به بركته.

وبدلا من أن تكون القصيدة هي التي زينت الممدوح فإنه هو الذي زينها بصفاته و الثناء عليه ، وترجو منه القبول لصاحبها والأمان له .إن صاحبها يرجو السعادة في زمن نحس لولا وجود الممدوح فيه. فلما حل بجواره أمن من النفس و الزمن.

ذلك هو ابن الناصر في قصيدة اليوسي شيخ علم وتربية، بلغ مبلغ الكمال .وتعد هذه القصيدة مرجعا أساسا في معرفة الطريقة الشاذلية التي اتبعها ابن الناصر ولم تظهر صورة الشاعر المادح إلا في الأبيات الأخيرة التي خصصها للتهنئة بالحج إلى الديار المقدسة ، لذا فهي قصيدة تعليمية تجمع بين علوم الدين والعلوم المساعدة . وقد أطنب فيها الشاعر إلى اقصى الحدود، شأن كل المادحين ، فإن لم يكن قد أعاد قافية أو رويا فقد أعاد معان متعددة موظفا الأنساق التمثيلية والاستعارية لترسيخ المعنى المراد في أنفس المريدين .






--------------------------------------------------------------------------------

[1]الزاوية الدلائية : المطبعة الوطنية ـ الرباط 1964 ص 56

[2] نفسه : ص56

[3] :نيل الأماني في شرح التهاني : أبو على الحسن بن مسعود اليوسي على قصيدتع الدالية في مدح شيخه الغوث الكبير أبي عبد الله محمد بن ناصر الدرعي. دون طبعة ولا دار النشر ولا سنة الطبع.

الزاوية الناصرية والنسب الجعفري الزينبي المغربي وعلاقته بقبائل الجعافرة بجمهورية مصر ..

الزاوية الناصرية والنسب الجعفري الزينبي المغربي   وعلاقته بقبيلة الجعافرة بجمهورية مصر العربية ..