الخميس، 22 سبتمبر 2016

المغرب بين أيديولوجية الانسجام والمجتمع المختل

بقلم: يوسف محمد بناصر
باحث مغربي
***
إن الممارسة السياسية ليست فَذْلَكَةً لغوية أو تصورية ولا فهلوية انتخابية أو حشدية، الممارسة السياسية يجب أن تكون بناء منتظما من القيم الفلسفية، وتربية على الممارسة النضالية، وقدرة على الانفتاح على المتغيرات وفق رؤية مستوعبة للمسار النضالي، وثقل المسؤولية التاريخية، فحزب العدالة والتنمية إلى الآن رغم مجهوداته لضبط خطابه وتقعيد ممارساته السياسية لم يتمكن من تجاوز تصوراته القديمة حول تدبير الصراع السياسي والانتخابي رغم أنه مر بتجارب ومراحل سواء في المعارضة أو الحكم وكانت لتسعفه في صقل تلك الممارسات وبيان حدود علاقاته واستراتيجياته، والإعلان عن تعاقداته الثابتة سواء مع مناضليه أو خصومه. إن التزامه اليوم بنفس الخطاب السياسي الذي دافع عنه قبل 5 سنوات وبقاء النبرة الدعوية عالية على برنامجه المسطر، إن لم تكن تغطي عليه في بعض الأحيان، يدفع بالمتتبعين إلى التساؤل حول مدى قدرة القيادات اليوم على ممارسة النقد الذاتي على التجربة ؟ وهل هم قادرون فعلا على بلورة نقاش حقيقي حول مواضيع حساسة كانت تعرقل ممارساتهم أثناء تدبير الشأن العام ؟ وكيف يمكن لهم انتاج خطاب سياسي بعيدا عن الغموض واتهام الأشباح بإعاقة مسيرة الاصلاح؟ وهل هم قادرون اليوم على تفكيك ألغامهم الاصطلاحية التي تداولوها أثناء فترة الحكم من مثل العفاريت والأشباح والتحكم وجيوب المقاومة وو؟ وهل لمناضليه القدرة اليوم على الزام القيادة بالممارسة الديمقراطية وثقافتها في مرحلة الاستحقاق الانتخابي وما بعدها وكشف أي كولسة أو تعسف على المناضلين لاختيار مرشح دون آخر؟ وأرجو ألا تكون نواياهم الانتخابية تقودهم هذه المرة الى السقوط في أوهام الوثوقية الحشدية ويزايدوا على المواطنين ببيانات سياسية مفذلكة ملغمة أو برامج سياسية مغلفة بخطاب دعوي متجاوز، حتى لا يهدموا التجربة رغم ما عليها ولا يقودوا الجميع الى الجحيم بنواياهم الحسنة، قال عز وجل: ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا .الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا).

02

إن الحكم [ وليس التحكم ] بشكل أفضل يستدعي ممارسة التذكير المستمر بدوائر السلطة والنفوذ التي لا يجب على قوى أخرى الوصول اليها أو المساس بها، والخطاب السياسي القوي يحمل في بنيته ومنها البلاغات ما يحيل إلى معنى من المعاني الدالة على أن الفاعل السياسي "يحكم/ يؤطر العملية السياسية" وله خياراته التي يدعم بها مواقفه وتصوراته للصراع القائم بينه وبين مختلف الاطراف الاخرى، إن الدولة المغربية بما تشكل في جوهرها وضمن روافدها من ثقافة وآداب سلطانية لاتزال تذكر الاحزاب الحداثية يسارية ويمينية بماضيها القريب والبعيد، وما كانت تمثله باعتبارها جزءا لا يتجزأ من تراث وتقاليد راكمتها السلطة سياسيا وتاريخيا ورمزيا والذي كثيرا ما يوصف ذلك التراث بأنه بنية مخزنية لها سطوتها وممارساتها وقدرتها على التكيف، وأي بيان سياسي [ بلاغات او خرجات..] لا يعدو أن يوصف بكونه استرجاعا ظرفيا لتلك الثقافة لممارسة المزيد من التسييج وحماية دوائر معينة تنتظم فيها القرارات وتصنع فيها وضمنها الخيارات، وكل بيان سياسي لها يمثل اطارا توجيهيا ملزما لكل فاعل متوهم لفعالية ممارساته الخطابية والبيانية على كسب غير مشروع  للاصوات أو مغتر بقدراته التحشيدية والسياسوية، فعودة الكل الى خيارات المخزن ولو كانت تاريخية أو رجعية أو عرفية هو التزام بقواعد وأعراف المشاركة في اللعبة التاريخية التي تظللها الآداب السلطانية وليس اللعبة الديمقراطية والكل يعي ذلك ومقتنع به، وفي نفس الوقت فيه تكريس لخيارات وتصورات محددة ربما يصعب على الفاعل السياسي المغربي التكيف معها ورغم ذلك يجب عليه أن يستفرغ جهده لاثبات الاخلاص والطاعة والرضا بالهامش المعلن والمتعاقد عليه  والتكيف معه، ولو استطاع تحديثه ذلك كله وتقديمه في خطاباته الدعائية لكان هذا وجها من أوجه التميز ولحظة فاصلة في مسيرة المؤسسة الحزبية في علاقتها بدوائر صنع القرار وعلاقتها بفئات واسعة من الناخبين.

03

إن المعارك الانتخابية غالبا ما تخاض على حافة الهاوية أو يتم دفع الجميع لها، بحيث يعمل كل حزب وكل طائفة على استقطاب أعدائها وخصومها للحافة ..، والسياسي المحنك كما المراوغ هما وحدهما القادران على جعل خصمهما ينهار ويستسلم للضربات قبل ظهور نتائج التصويت، فالمنافسة والحملة الانتخابية في الأخير ما هما إلا القدرة على ايجاد طول نفس أو نقطة ضعف لاستنزاف الجميع، وفي المغرب يسمح باستعمال كافة الأساليب الممكنة للإخضاع.

ومن جهة أخرى، يعتبر الاستقطاب المزدوج ظاهرة خطيرة طارئة على المجتمع المغربي فمنذ بدايات الحراك الشعبي المتعلق بالربيع الديمقراطي بدأت ملامحه تتشكل لأسباب عدة، فالمؤسسة الملكية والأحزاب السياسية بالاضافة الى حركات 20 فبراير تنازعوا كلهم في مستوى من مستويات ممارسة التدافع الاجتماعي نوعا من الاستقطاب المزدوج، فكل طرف يؤسس لمشروعية خطابه بناء على الاغلبية العددية في كثير من الأحيان.أولا؛ لتمرير أقصى ما يمكن من الطموحات السياسية من خلالها والدفاع عن الآفاق  والخيارات  المأمولة، وهذا مثاله 20 فبراير ومن ساندهم، ثانيا؛ الدفع بالطرف الآخر الى الارتماء في دائرة التذكير بالشرعية المستصحبة تاريخيا وأيديولوجيا وسلوكيا..، واعادة رسم ملامح اللحظة لتستوعب المتغيرات، وفق شروط محددة وتعاقدات جديدة ولكنها مفتوحة على التأويلات الدائمة.

إن اختلاط الالتزامات السياسية بين الاطراف المختلفة في النقاش السياسي باعتمادهم على الأعراف النفسية والمجتمعية بدل القوانين، وعدم وضوح كل الفاعلين في تعاطيهم لملفات وقضايا سياسية متعلقة باختلاف الرؤى ومراكز التدبير، ينبه هذا على أسئلة كبرى ومركبة مثل حدود التداخل بين سلط المؤسسات بحد ذاتها؟ ومدى قدرة كل واحدة على بناء التزام حداثي وواضح ولو كان عرفا متبعا؟ فما وقع من تجاذبات بين الاطراف السياسية في الانتخابات التشريعية في قضايا جزئية خلط كل الأوراق وشكك في كثير من الأعراف التاريخية وأعاد النقاش القديم حول جدوى ممارسة السياسة في المغرب في ظل تجاوزات واستغلال للنفوذ وشطط في استعمال السلطة.

 إن  زعزعة بعض مسلمات الوعي الجمعي عن مدى فعالية المؤسسات الدستورية المغربية - التي هي مكسب تاريخي-  قد يؤثر على مسار التحول الديمقراطي الذي ننحته اليوم بكل آماله وصعوباته، خصوصا إذا استحضرنا بقايا أثر  الآداب السلطانية على الممارسة الفعلية للسلطة في ثقافتنا السياسية، وتأثير ذلك على السلوك السياسي للفاعلين وتدبيرهم للشأن العام. فنخلص إلى كون بعض الممارسات الانتخابية الخاطئة -التي هي مرحلية- تدفع  بمن يستند إلى  وضعه أو يستغل نفوذه أو مركزه أو سلطته في ظل  المؤسسات او الاجهزة إما إلى التوغل في دوائر لعب الأحزاب للامساك بخيوط اللعبة بشكل متصلب أو خلق أعراف جديدة انتكاسية، لتظهر المزيد من التجاوزات والتأويلات غير الديمقراطية للتعاقدات الاجتماعية، أو يتخذ وضعا كمونيا فتتقلص صورته في الوعي الجمعي وتضعف تدخلاته أو تتخذ وضعا مرنا أكثر، وهذا الوضع الأخير، سيسمح للفاعلين السياسيين بممارسة خطاب متزن منضبط وبخلفية تعي مزالق السياسة وتحدياتها وحدود المباح فيها والحرام، خصوصا في اطار دولة تؤسس لثقافة وسلوك ينزعان للديمقراطية والتي هي في حذ ذاتها لاتزال تعيش فترة الصبا .

04

إن الايمان بكون الصراع المجتمعي هو ضرورة ملحة وطبيعية من أجل الحصول على نتائج تتميز بالجودة يعد وضعا مختلا من الناحية المعرفية ويكلف من الناحية التاريخية والنفسية والسياسية؛ إذ يكسر علاقات  المجتمع  التي تأسست بحكم الروابط الطبيعية والثقافية، وينتج عن هذا التصور ولادة وعي معاق ينمو في ظل ثقافة تمجد واحدية الرأي ويذكي الخصومة ونفي الآخر  وينهي كل التعاقدات المبنية على الإختلاف، كما أن هذه الفلسفة السلبية تدفع إلى تمرير "أيديولوجيا الانسجام" باعتبارها قضية فلسفية وأن النزال النظيف في الممارسة السياسية والانتصار المجيد يحدثان فقط إذا تم ارباك الخصم أو جعله خاضعا أو تفكيك قدراته وطمس هويته. والنتيجة في الأخير، هي خسارة اجتماعية وثقافية وسياسية..، مما يجعل الطرف المنتصر يؤسس لثقافة المصادرة والاستبداد  ويؤطر بها المجتمع الذي يمسي بدوره قابلا للتفكك وذهاب هويته وفاقدا لإيمانه بجدوى أي ممارسة سياسية أو انتماء لمؤسسة أو لمشروع أيديولوجي أو ثقافي ولو كان وطنيا.رابط المقال:

http://www.lakome2.com/opinion/%D9%85%D9%86%D8%A8%D8%B1-%D8%AD%D8%B1/18303.html

الزاوية الناصرية والنسب الجعفري الزينبي المغربي وعلاقته بقبائل الجعافرة بجمهورية مصر ..

الزاوية الناصرية والنسب الجعفري الزينبي المغربي   وعلاقته بقبيلة الجعافرة بجمهورية مصر العربية ..